[* ما يهدى إليه النظر في هذا الموضع:]
إذا نظرنا في هذه المواضع نظرة فاحصه وجدنا أن تقديم: " هدى الله "، له
سبب اقتضاه في الموضعين الأول والثاني.
إذ هو آت نصاً من أول الأمر على أن: " هدى الله هو الهدى " في معرض حديث يُدَّعَى فيه أن غير الله له هدى.
ففى البقرة ادعى ذلك الهدى اليهود والتصارى، ومن أجل مدعاهم هذا
لا يرضون إلا عمن اتبعهم وصدقهم: (وَلن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النصَارَى
حَتى تَتبِعَ ملتَهُمْ) . فكأنهم يرفضون أن يكون هدى غير ما هم عليه
منكرون لما سواه. فجاءت الآية مفندة دعواهم: (قُلْ إن هُدَى الله) ، أي:
لا هداكم ولا هدى غيركم، ففى الأسلوب قصر قلب.
يقول النسفي: " وهدى الله هو الهدى كله ليس وراءه هدى ".
وكذلك في الأنعام: (لهُ أصْحَابٌ يَدعُونَهُ إلى الهُدَى ائْتنَا)
فالأصحاب يدعون أن لهم هدى، فسلك القرآن - هنا - مسلكه في آيةَ البقرة لوجود السبب في الموضعين.
أما تقديم " الهدى " في آل عمران على " هدى الله " فلأن القوم هنا لم يبد
منهم إنكار. أو دعوى استئثارهم بالهدى، بل هم مقرون بذلك وإنما يريدون أن يفتنوا مَنْ هم على هدى: (الَّذيِنَ آمَنُواْ) عما هم عليه ليستأثروا هم بهدى
الله حسداً من عند أنفسهم أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا.
فجات الآية الكريمة: (قُلْ إن الهُدَى هُدَى اللهِ) .
اعتراضاً مبيناً لوهمهم فيما حسبوا أنهم