للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[* المبالغة:]

وجاءت المبالغة في القرآن قولة جزلة لا تنبو عن ذوق ولا ينكرها عقل.

مثل قوله تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) .

ففى هذه الآية مبالغة مقبولة غير منكرة ولا نافرة تصف أثر الخوف وهذا

يصوره زوغان الأبصار لشدة الاضطراب وهذا أمر واقع، عطف عليه أمر قريب من الواقع هو بلوغ القلوب الحناجر فإن القلب حين يضطرب تظهر آثار اضطرابه فى تهدج الصوت واضطرابه، والصوت يكون مسموعاً بعد مروره بالحنجرة، فلذلك ساغ هذا التعبير وقوى به المعنى وحَسُن.

ومثل قوله تعالى: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) . .

مبالغة في صفاء الزيت.

وقوله تعالى: (إذا أخْرَجَ يَدَهُ لمْ يَكَدْ يَرَاهَا) . . مبالغة في تصوير

الظلمة المحيطة به.

وجاءت هذه المبالغة على ألنسة الشعراء فأصابوا وأبعدوا في الخطأ.

قال الأعشى:

فَتىً لو يُنَادىِ الشَمْسَ ألقَتْ قِنَاعَهَا. . . أوِ القَمَرَ السارِي لألقَى المقَالِدَ

فقد غالى في تصوير المعنى فعلق تبذل الشمس على مجالسته لها، وكذلك

(تخلى القمر الساري عن المقالد مرهون بتلك المجالسة، وهذه مبالغة موصوفة

بالغلو.

ولم يخل كلامه من التكلف. فقد أثبت للشمس قناعاً وللقمر مقالد

وجوز في جانبهما المنادمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>