وتكرار القرآن في جميع هذه المواضع التي ذكرناها، والتي لم نذكرها، مما
يُلحظ عليها سمة التكرار. في هذا كله يباين التكرار القرآني ما يقع في غيره
من الأساليب لأن التكرار وهو فن قولى معروف. قد لا يسلم الأسلوب معه من القلق والاضطراب فيكون هدفاً للنقد والطعن.
لأن التكرار رخصة في الأسلوب
- إذا صح هذا التعبير - والرخص يجب أن تؤتى في حذر ويقظة.
* *
[* وظيفة التكرار في القرآن:]
مع هذه المزالق كلها جاء التكرار في القرآن الكريم محكماً.
وقد ورد فيه كثيراً - فليس فيه موضع قد أخذ عليه - بله دعاوى المغالين فإن بينهم وبين القرآن تارات فهم له أعداء - وإذا أحسنا الفهم لكتاب الله فإن التكرار فيه - مع سلامته من المآخذ والعيوب - يؤدى وظيفتين:
أولاهما: من الناحية الدينية.
ثانيتهما: من الناحية الأدبية.
فالناحية الدينية - باعتبار أن القرآن كتاب هداية وإرشاد وتشريع - لا يخلو
منها فن من فنونه، وأهم ما يؤديه التكرار من الناحية الدينية هو تقرير المكرر
وتوكيده وإظهار العناية به ليكون في السلوك أمثل وللاعتقاد أبين.
أما الناحية الأدبية فإن دور التكرار فيها متعدد وإن كان الهدف منه فى
جميع مواضعه يؤدى إلى تأكيد المعاني وإبرازها في معرض الوضوح والبيان.
وليكن حديثنا عنه على حسب المنهج الذي أثبتناه في صدر هذا البحث.
"في تكرار الأداة:
ومن أمثاتها قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) .