فهذا البحث ليس في تقديم المسند إليه أو المسند، أو متعلقاتهما مما يعنى
به علماء البلاغة. وإنما هو تقديم معنى على معنى بغض النظر عن الألفاظ
الدالة عليه وتحت أي ضابط يقع.
لذلك فهو أقرب إلى طريقة ابن الأثير والعلة أو السر في التقديم هنا - كما
يراه أبو السعود - ليس من الأسرار التي أرجع إليها علماء البلاغه تقديم
ما يُقدم.
وهو ما موفق في هذا التوجيه. ويؤيده من النظم نفسه أن المعنى
الأولى " التحلية " مدلول عليه بالجملة الفعلية. التي تفيد التجدد والحدوث
وطول الكلام في العبارة نفسها.
أما المعنى الثاني: فقد دلَّ عليه بعبارة موجزة قوامها ثلاث كلمات:
" ولباسهم فيها حرير "، كما دَلَّ عليه بالجملة الاسمية التي تفيد الثبوت
والدوام. فكأن الله - سبحانه - في التحلية. أراد أن ينشِئ ويحدث معنى
جديداً فهى إذن تأسيس.
كذلك فقد عمد إلى ما هو حاصل معناه عند السامع " لباسهم " وجعله
موضوعاً لحكم " حرير " فأفاد الخبر بيان النوع وليس المعنى الأصلى الحاصل
على وجه الجملة!؟
فلله دَرُّ أبي السعود فقد كان ملهَماً وهو يقرر هذه الحقيقة.
ومع احترامنا لما يرى أبو السعود يمكن تخريج المسألة على الوجه الآتى:
[* توجيه آخر:]
إن التقديم هنا سببه تقديم الأضعف على الأقوى.
وإذا جاز هذا فإن له فى القرآن نظائر وأشباهاً.
يقول الرازى في قوله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١) .
" قدم حق اليتيم والسائل، لأنه غني، وهما محتاجَان.
وتقديم حق المحتاج أولى ".