ورأيت هذه الطريقة - طريقة المفسرين - قد استوعبت ما ذهب إليها أصحاب المناهج السابقة. فهى لا تتقيد بما قيَّد البلاغيون به منهجهم ولا بما حصر فيه ابن الصائغ فكرته ولا بما دار في فلكه ابن الأثير. فهى تجمع ما تفرق من هذه الطرق من محاسن، ولذلك كان للمفسرين جولات غنية جداً في فهم التقديم فى القرآن والكشف عن أسراره المختلفة.
وكل ما يؤخذ عليهم أنهم قد ينساقون - أحياناً - وفي بعض المواضع إلى
إرجاع شيء من التقديم إلى رعاية الفواصل - كما يقول البلاغيون - أو حُسن النظم السجعى كما يقول ابن الأثير.
ولما كان تتبع أسفار التفسير - وهي كثيرة - ليس بمستطاع هنا.
فإنى سأعتمد أساساً على اثنين منهم هما:
١ - العلامة أبو السعود في تفسيره المسمى " إرشاد العقل السليم إلى
مزايا الكتاب الكريم ".
٢ - الإمام محمود بن عمر الزمخشري. في تفسيره المسمى " الكشاف عن
حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ".
أولاً: من تفسير أبى السعود
١ - تقديم التحلية على اللباس:
قال تعالى: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٢٣) .
يقول العلامة أبو السعود في تقديم التحلية على اللباس: " للإيذان بأن
ثبوت اللباس لهم أمر محقق، غنى عن البيان، إذ لا يمكن عراؤهم عنه.
وإنما المحتاج إلى البيان أن لباسهم ماذا؟
بخلاف الأساور واللؤلؤ فإنها ليست من اللوازم الضرورية.
فجعل بيان تحليتهم بها مقصوداً بالذات.
ولعل هذا هو الباعث إلى تقديم بيان التحلية على بيان حال اللباس ".