وهو كما رأينا معتمد - فى كثير من الأحيان - على الأصول البلاغية فى
نقده. بل مشرع فيها وصاحب رأى. والموازنة هنا بين نصين كل منهما قد
قيل.
* * *
[* القاضي الجرجاني:]
وكان كتاب " الوساطة بين المتنبي وخصومه ". للقاضى أبى الحسن
الجرجانى مصدراً للنقد العربي. وتوجيهه توجيهاً منهجياً، وليس من السهل
وصف هذا الكتاب وما حواه من نظريات وآراء. وإنما نذكر هنا أمثلة تدل على شيوع البلاغة. وتوجيهاتها في منهج هذا العالِم الذائع الصيت. والناقد العميق النظر.
* على أن عنوان كتابه يوحي بخطورة موضوعه. فإن الخصومة بين المتنبي
وخصومه أمر له خطره في تاريخ النقد العربي، والفصل فيها لا يقدم عليه إلا
الثقات من النقاد. المحيطون بفنون القول ووجوه الحسن والقبح في الأساليب، وقد اجتمعت هذه المؤهلات في القاضي الجرجانى وكتابه المذكور أكبر شاهد له.
ومن الأمثلة التي تهمنا في هذا المجال. أن الجرجانى قد مدح أبياتاً
لأبى تمام، هي:
دَعْنِى وَشُرْبَ الهَوَى يَا شَارِبَ الكَاسِ. . . فإننى لِلذِى حُسيتُهُ حَاسى
لاَ يُوحشَنكَ مَا اْسَتْسَمْجَت مِنْ سَفَمى. . . فَإن مُنْزِلهُ مِن أحسَنِ النَاسِ
مِنْ قًطع أُوْصَالِهِ تَوْصِيلُ مَهْلكَتِى. . . وَوَصْلُ ألحَاظهِ تَقْطِيعُ أنْفَاسِى
مَتَى أُعِيشُ بتأمِيلِ الرخاءِ إذَا. . . ما كان قَطعُ رجَائى في يدِ بَاسى
يقول الجرجانى معلقاً عليها: " فلم يخل بيت منها من معنى بديع، وصفة
لطيفة. طابق وجانس، واستعار فأحسن. وهي معدودة من المختارة من غزله
وحق لها، فقد جمعت على قصرها فنوناً من الحسن وأصنافاً من البديع. ثم