للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه لما أراد ذكر الوقوف احتاط بأن شبَّه ناقته بالفدن وهو القصر، ليُعلم أنه

لم يقفها ليريحها.

ويمضى بعد ذلك مناقشاً كل الدفوع التي يمكن أن تقال في جانب البحترى

حتى ليقيم عليه الحُجة من كل وجه. بأنه خالف عادات العرب في مثل هذه

الواقف. مؤيداً وجهة نظره بمأثورهم.

ويعيب قول أبى تمام متغزلاً:

بَيْضَاءُ تَسْرِى في الظلاَم فَيَكْتَسِي. . . نُوَراً وتُبْدُو فِى الضياء فيُظلمُ

مَلطومَةٍ بِالوْردِ أُطلِقَ طرْفُهَا. . . فِى الخَلقِ فَهُوَ مَعَ المنُونِ مُحْكَمُ -

فيقول الآمدى: " وقوله " ملطومة بالورد " يريد حُمرة خدها، فلِمَ لم يقل:

مصفوعة بالقار يريد سواد شعرها؟ ومخبوطة بالشحم يريد امتلاء جسمها؟

ومضروبة بالقطن يريد بياضها؟ إن هذا لأحمق ما يكون من اللفظ وأسخفه

وأوسخه. وقد جاء مثل هذا في كلام العرب ولكن على وجه حسن. .

قال النابغة: " مقذوفة بدخيس اللحم " يريد أنها قُذفت بالشحم. أى كأنه رُمِىَ على جسمها رمياً.

وإنما ذهب أبو تمام إلى قول أَبى نواس: " وتلطم الورد

بعناب " وهذه كانت تلطم في الحقيقة في مأتم على ميت بأنامل مغضوبة

الأطراف فجعلها عناباً تلطم به ورداً. فأتى بالظرف كله. والحُسن أجمعه.

والتشبيه على حقيقته. وجاء أبو تمام بالجهل على وجهه. والحمق بأسره.

والخطأ بعينه ".

والحق أن الآمدى كان يصدر في نقده عن ذوق وخبرة وعلم وحكمة. وكتابه " الموازنة " حافل بما يمتع الباحث ويفتح أمامه آفاقاً واسعة للموازنة والدرس.

<<  <  ج: ص:  >  >>