فلما عجزوا عن مجاراة القرآن في مجال البيان استبدلوا الطعون فيه
بالمحاكاة، فمرة شِعر. ومرة سِحر يؤثر. . .
لما لم تفد هذه الطعون استبدلوا بها السيف شهروه في وجه صاحب الدعوة
وأتباعه، فأنزلوا بهم الأذى. وقعدوا لهم في كل طريق.
فلو كان القوم مسلوبي الدواعى في مجال البيان. لكانوا مسلوبى الدواعى
فى مصاولة الأقران.
وهذا كاف في رد الشق الثاني من مدعاهم - أي مدعى أهل الصرفة - وإذا
بطل مدعاهم بشقيه. ثبت ما حاولوا نفيه به. وهو الإعجاز البياني الذي لم
يكن في مقدور العرب محاكاته مع الرغبة فيها وبقاؤهم على طبيعتهم من
المعارف والعلوم.
* * *
[* دليل آخر في إبطال القول بالصرفة:]
لم تترك الصرفة شيئاً ذا قيمة فيما سبق لنا من نقاش لها، ومع هذا فإن
العلماء قد ردوها بدليل آخر حاصله كما يقول الباقلاني:" لو كان المعارضة
ممكنة، وإنما منع منها الصرفة، لم يكن الكلام معجزاً، وإنما يكون المنع معجزاً فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه".
وهذا رأى صائب ورد قاطع، لأننا ما دمنا متفقين على أن القرآن معجز
فيجب أن يكون هذا الإعجاز في القرآن ذاته، لا مستجلباً له من خارجه. كما هو مقتضى القول بالصرفة. لأن المعجز فيها هو الله بسلب المعارف والعلوم عن العرب، أو صرف دواعى تلك المعارضة.