[* طريق الدلالة في اللفظ القرآني:]
إن القرآن حين يختار لفظاً تجده دالاً على معناه بالجرس، أو بالظل - أو بالجرس والظل معاً - وفي هذا المنهج يبدو لونٌ من التناسق أعلى من البلاغة الظاهرية وأوقع من الفصاحة اللفظية. اللذين يحسبهما بعض الباحثين في القرآن أعظم مزايا القرآن.
والفروق بين هذه المواضع جد دقيقة. قد يصعب العزل بينها.
ولكنها سمة من سمات التعبير القرآني.
ولنأخذ - الآن - في ذكر بعض النماذج:
[* الظل:]
(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) .
الهدف من الآية: بيان أن المكذبين بأيات الله والمستكبرين عن عبادته لن
يحظوا بالقبول عند الله. ولن يدخلوا الجنة، وقد رتب حصول هذه المنافع لهم على أمر مستحيل هو دخول الحبل الغليظ في الثقب الدقيق لآلة الخياطة.
والمرتب على المستحيل مستحيل كذلك.
لكنه لم يذكر لفظ " الحبل " بل وضع موضعه لفظ " الجمل " وهو مشترك
لفظي بين الحبل والحيوان الضخم المعروف.
وإنما أوثر لفظ " الجمل " مراداً منه " الحبل " لأن فيه دلالة ليست فى
الحبل، فالحبل مهما كان غليظاً لا يبلغ ضخامة الجمل.
وهو - أي الحبل - متفاوت في الدقة والغلظ.
ولو صرّح به لوقع في الوهم أنه الحبل الدقيق.
فتقرب المسألة حينئذ من الإمكان.