سببيه الأقوى. ولا يكون إلا حين يُرجى من العاتَب عود إلى الجادة.
وتوخى الصواب.
وعتاب القرآن الذي يهمنا هنا نوعان:
أولهما: عتاب الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيهما: عتاب المؤمنين.
وفي كِلا النوعين جاء عتابه ناجحاً. لاشتماله على الخاصتين المذكورتين:
تذكير قاس بما كان مما استوجب العتاب. وإغراء على الرجوع إلى الحق والحث عليه بما يُثيره النص من بوارق الأمل وأسباب العفو.
[* عتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -:]
فمن عتاب الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى:
(عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦) .
وهذا أقصى عتاب وجَّهه الله لرسوله عليه السلام. وبَيَّنَ له فيه كثيراً من
الحقائق، وفي هذا العتاب - مع قسوته - اشتمل القرآن على كثير مما يخففه.
ويُبين حُسن نية الرسول عليه السلام فيما بدر منه حين أعرض عن عبد الله
ابن أم مكتوم وأقبل على وفد قريش يحاورهم.
فقد خفف من قسوة هذا العتاب أن الله لم يسند العبوس والتولي للرسول
مواجهاً له به فجاء مُسنَداً إليه على طريقة الغيبة: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ،
ولم يقل له: عبستَ وتوليتَ وهو مقتضى الحال. ترقيقاً له في العتاب حتى
لكأنَّ العابس والمتولي شخص آخر غير محمد عليه السلام.
والجمهور يسمون