للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا السلوك القولي: وضع الغيبة موضع الخطاب.

ويسميه السكاكى: التفاتاً، إذ لا يُشترط أن يسبقه التعبير بواحد من طرقة الثلاثة، وأياً كان الخلاف بينهم فإن المؤدى واحد هو كراهة إسناد ما لا يليق بالرسول على سبيل الخطاب.

وخفف منه - أيضاً - أن القرآن أبان أن ما حدث من الرسول لم يكن

لغرض شخصى بل لباعث من بواعث الرسالة التي جاء بها.

وهو حرصه الشديد على هداية هؤلاء الناس فكأنه أراد أن يستميلهم بحديثه وإقباله عليهم.

أما ابن أم مكتوم فمؤمن لا يتأثر بمثل هذه الأعمال التي بدرت من الرسول عليه السلام لمصلحة دينية توقعها هو.

ولطف العتاب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر ملحوظ في القرآن انظر إليه يقول:

(عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (٤٣)) .

فَمبالغة في لطف عتاب الله له. صدَّرَ العتاب بالعفو من

أول الأَمَر. وقُدًم على ما استحق من أجله العتاب: (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) ، وأن

العتاب الرقيق يدل على عظم منزلة المعاتَب عند المعاتِب، أن يَبادره بالعفو. ثم يأخذ معه في بيان ما خالف فيه مما ينبغى ألا يكون. .

وقد غلا الزمخشري في توجيه هذه الآية حيث قال: (عَفَا اللهُ عَنكَ)

كناية عن الجناية، لأن العفو رادف لها. ومعناه: اخطأتَ وبئس ما فعلتَ.

وغلوه في هذا التوجيه ظاهر. لأنه حفل الكلمة ما ليس من طبيعتها وصرخ

بما لم يصرخ به الله في كتابه، ولو كان هذا الذي يقوله الزمخشري مطلوباً لله من هذه الآية لما منع مانع من ذكره.

ولو أنه فسَّر قوله تعالى: (لمَ أَذنتَ لهُمْ)

بما قاله في تفسير: (عَفَاَ اللهُ عَنكَ) لكان لقوله شُبهة قبولَ لأن (لمَ أَذنتَ

لهُمْ) هو موضوع المخالفة.

وقد تعقب ابن المنير قول الزمخشري، وخطأه فيه.

ثم قال: " ولقد أحسن مَن قال في هذه الآية: إن من لطف الله تعالى بنبيه أن بدأ بالعفو قبل العتب.

<<  <  ج: ص:  >  >>