والثانية هي قوله تعالى: (إنمَا البَيْعُ مثْلُ الرِّبَا) ، والأصل: إنما
الربا مثل البيع. فهو كذلك من التشبيه المقلوب وإنما كان الأصل كذلك فى
الآية الأولى. لأن الكلام مسوق للإنكار. أي إنكار أن يسوى ما لا يخلق بمن
يخلق. فيكون إلزاماً لهم بالحُجة حيث عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله
سبحانه وجعلوا غير الخالق مثل الخالق.
وأجاب الشيخ حمزة فتح الله بأن الخطاب لعُبَّاد الأوثان، وهم بالغوا فى
عبادتها حتى صارت عندهم أصلاً. فجاء الإنكار على وفق ذلك.
ويقول السكاكي: " عندى أن الذي تقتضيه بلاغة القرآن هو أن يكون المراد
بـ " مَنْ لا يخلق " الحي القادر من الخَلق لا الأصنام.
وأن يكون الإنكار موجها إلى توهم تشبيه الحي العالِم القادر من الخلق به - تعالى وتقدَّس عن ذلك علواً كبيراً - تعريضاً عن أبلغ الإنكار لتشبيه ما ليس بحي عالِم قادر به تعالى، ويكون قوله تعالى: (أفَلاَ تَذكرُونَ) تنبيه توبيخ على مكان التعريض ".
[* فكرة للدرس:]
وأقول: إن ما ذهب إليه السكاكي لا ترتاح إليه النفس، كما أن فكرة
التشبيه المقلوب في الآية قد يمكن الاستغناء عنها.
لأن المتأمل في المعاني التي تحدثت عنها سورة النحل قبل الآية المذكورة يجد
أن تلك المعاني تأتي على الترتيب الآتى:
أن الله خلق الكون أرضاً وسموات، وخلق الإنسان وخلق الأنعام، وسخر
الأنهار والبحار والكواكب لخدمة الإنسان، وأنزل الماء من السماء لري الأرض