وهى تفيد - ثالثاً - أن هذا النور لم يكن لأى عامل آخر أن يطفئه.
ريح شديدة - مثلا - أو عاصفة مدمرة. فهو قائم رغم هذه التقلبات التي لا يكاد يخلو منها وقت. فكيف يتسنى لهم أن يطفئوه بأفواههم.؟
إنه نور قوى باهر وسيظل - هكذا -
نوراً باهراً قوياً. . ولو كره الكافرون.
وبعد هذا يمكن أن نستنتج الحقائق الآتية:
أولاً: أن القرآن الكريم يضرب " النور " مثلاً للمعاني الشريفة والصفات
الحميدة. كما يضرب " الظلمات " مثلاً للمعاني الوضيعة والصفات الذميمة.
ثانياً: أن القرآن لم يستعمل النور في تلك الأغراض إلا مفرداً اسماً أو صفة،
أما " الظلمات " فلم يستعملها في أغراضها إلا مجموعة - لا مفردة ولا مثناة
- فهل لهذا من سر؟
نقبتُ عن هذا السر في مظانه فلم أعثر على توجيه. لا في كتب
التفسير ولا خارج كتب التفسير. ولذلك فإنى أسجل - هنا - ما خلصتُ إليه مما ظننتُ أنه يصلح أن يكون توجيهاً لهذا الصنع.
*
[* لماذا أفرد القرآن " النور " وجمع " الظلمات ":]
إن النور سواء أكان المراد به كتاباً يهدى إلى الرُّشد، أو حُجة تكشف النقاب
عن الشُبهات. أو رسولاً يدعو الناس إلى الحق. أو إيماناً يعمر به قلب المؤمن.
أو عملاً يحقق لصاحبه رضوان الله. . .
كل ذلك له مصدر واحد هو الله سبحانه وتعالى.
والقرآن على ذلك خير شاهد:
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ، (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) ،
(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) .