الشانئ في سورة " الكوثر " يقول إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - صنبور ليس له ولد ولا عقب.
وهم يفتخرون بما لديهم من مال. وما لهم من عترة وأولاد وأحفاد، يتكاثرون فيما بينهم بعدد رجالهم وفرسانهم.
ذلك عندهم مقياس الفضيلة: مال وولد.
فجاءت هذه السورة تبين لهم ضلال ما هم فيه. وأن ما عندهم من الولد والمال لاهٍ لهم عن عمل الخير، شغلهم حتى ماتوا، أو شغلهم التكاثر بعَدِّ الرجال حتى ذهبوا يعدون مَنْ مات منهم، وسيكون ذلك حسرة عليهم يوم القيامة.
أما محمد عليه السلام الذي يعيرونه بعدم العقب، فقد أعطاه لله خيراً كثيراً
فهو فيه لربه طائع غير شحيع ولا بخيل، ولا هو شاغل له عن عمل الخير من
طاعات لله كالصلاة والإنفاق وكالنحر.
أوَ ليست هذه رابطة جامعة وثقت عرى الجار بالجار. فبدتا - أي السورتان
- كأنهما وحدة واحدة.
ذلك منهج القرآن الحكيم. انسجام والتئام بين الألفاظ ومعانيها. التئام
وانسجام بين الكلمة والكلمة. التئام وانسجام بين الجملة والجملة. التئام
وانسجام بين الفقرة والفقرة. التئام وانسجام بين السورة والسورة. التئام
وانسجام ساريان فيه جميعه. وتلك دعامة من دعامات الإعجاز وآية من آيات الحكمة.
* *
[* ملاحظتان مهمتان:]
أولاهما: أن القرآن يُفضِّل الجمع بين المعاني في الموضع الواحد دفعاً للسآمة
وتجديداً للنشاط من أن تسترسل النفس في معنى واحد يستبد بها ما دامت
قارئة أو سامعة. فقارئ القرآن وسامعه هما دائماً في جديد من المعاني
والمشاهد من قصص إلى تشريع. ومن تشريع إلى تبشير، ومن تبشير إلى إنذار.
ومن إنذار إلى عتاب. ومن عتاب إلى تهديد، ومن تهديد إلى تذكير. وهكذا