للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالشعراء الفحول كانوا يجمعون في أشعارهم بين النسيب والمدح، أو الفخر

والهجاء، وهم إذ يفعلون ذلك كانوا يسلكون فيه مسالك الاستعانة ببعض

الألفاظ والعبارات التقليدية. مثل: دع عنك ذا. . . وما أشبهه.

وأحياناً كانوا يقتضبون القول اقتضاباً فتجيء أشعارهم مفككة ركيكة، ومعانيهم مضطرية قلقة، وأساليبهم متنافرة.

وفحول الخطباء والكُتَّاب حتى يومنا هذا إذا حاولوا الجمع في مقال أو خطبة

بين معاني متعددة احتالوا واستعانوا. فيحسنون حيناً، ويخطئون أحياناً.

ذلك شأنهم في المعاني المتقارية، والأغراض المتناسبة. ويركبون لكل شطط إن

حاولوا الجمع بين الأضداد أو الأمور المختلفة في أنفسها من غير تضاد.

* * *

[* صناعة القرآن:]

أما صناعة القرآن فقد أرت نُقاد الفنون وخبراء الأساليب روعة الانسجام بين

المعاني المختلفة في جوهرها. المنفصلة بطبيعتها.

فهو - على ما امتاز به أسلوبه من اجتناب سبيل الإطالة، والتزام جانب الإيجاز بقدر ما يتسع له جمال اللغة - قد جعله أكثر الكلام افتناناً في شئون القول، وأسرعه تنقلاً بينها.

من وصف إلى قصص إلى تشريع إلى جدل. . .

إلى ضروب شتى من المعاني والفنون

تبدو وكأنها وحدة واحدة، شديدة التماسك.

" وعلى هذه القاعدة ترى القرآن يعمد تارة إلى الأضداد، ويجاور بينها فيخرج بذلك محاسنها ومساويها في أحلى مظاهرها.

ويعمد تارة أخرى إلى الأمور المختلفة في أنفسها من غير تضاد

فيجعلها تتعاون في إحكامها يسوق بعضها إلى بعض

مساق التنظير والتفريع، والاستشهاد أو الاستنباط،

أو الاحتراس *. . إلى غير ذلك، وربما جعل اقتران معنيين في الوقوع التاريخى، أو تجاور شيئين في الوضع المكاني دعامة لاقترانهما في النظم. فيحسبه الجاهل بأسباب النزول وطبيعة المكان خروجاً

وما هو بخروج، فإن لم يكن بين المعنيين نسب

<<  <  ج: ص:  >  >>