وقال: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ) فكم هي؟ . . وما هي؟ . . .
وقال: (وَإذْ أخَدنا مِيثَاقَكُمْ) فما صيغة هذا الميثاق؟
وعلى أى شيء أعطوه؟ . . .
لا أحد يدرى.
إن حكمة البيان القرآني لأجلُّ من أن تعرض لمثل هذه التفاصيل في مثل هذا
الوضع. وليس في تركها عيب أو نقص.
٨ - إنك تلمح وراء هذا البيان قوة قوية. أعلى من أن تنفعل بمثل هذه
الأغراض. قوة تؤثر ولا تتأثر. تصف لك الحقائق في أمانة خيرها وشرها فى
عزة مَن لا ينفعه خير. واقتدار مَن لا يضره شر. وهذا شأن القرآن أبداً وسمته التي لا يشركه فيها قسيم.
انظر إليه حين يجادل عن القرآن فلا يزيد في وصفه على هذه الكلمة:
" هو الحق "، نعم. . إنها كلمة تملأ النفس، ولا يتطلب الموصوف بها وصفاً أشرف من هذا الوصف الذي يحوى كل الفضائل (١) .
ولنكتف بهذه الأمثلة الثلاثة دليلاً على ما في القرآن من دقة النظم.
وقوة الربط حتى في المواضع التي ليست هي مظنة لذلك.
ولقد تعمدنا أن تكون أمثلتنا الثلاثة من هذا القبيل.
* * *
٣ - اختلاف الأغراض:
وهذه خاصة من خصائص القرآن الكريم، يعمد فيها إلى الجمع بين
الأغراض المختلفة في موضع واحد، ويمزج بينها مزجاً فنياً قوياً لا تحس فيه
بقلق أو اضطراب. بل تحس بالتناسب والالتئام. وليس ذلك في مقدور أحد من الناس.
(١) انتهى ملخصاً من كتاب " النبأ العظيم " ص ١١٤ - ١٢٥