٣ - وقد زاد هذا المعنى ترشيحاً بإخراج الجريمة الأولى - وهي جريمة القتل - فى صيغة الفعل المضارع تصويراً لها بصورة الأمر الواقع الآن، وكأنه - بذلك - يعرض على النظارة هؤلاء المجرمين أنفسهم، وأيديهم ملوثة بتلك الدماء الزكية.
٤ - ولقد كان التعبير بهذه الصيغة مع ذكر الأنبياء بلفظ عام مما يفتح باباً
من الإيحاش لقلب النبي العربي الكريم، وباباً من الإطماع لأعدائه في نجح
تدابيرهم ومحاولاتهم لقتله. فانظر كيف أسعفنا بالاحتراس عن ذلك كله بقوله: (منْ قَبْلُ) فثبَّت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقطع أطماعهم، كما أشارت هذه الكلمة إلى إرادة التجوز في الكلام.
٥ - وانظر كيف جيء بالأفعال في الجرائم التالية على صيغة الماضي بعد أن
وطأ لها بهذه الكلمة: (منْ قَبْلُ) فاستقام التاريخ على وضعه الطبيعى حين
لم تبق حاجة إلى مثل التعبير الأول.
٦ - وانظر إلى الآداب العالية في عرض الجريمة الثانية - وهي جريمة الشرك
- فإنها لما كانت أغلظ من سابقتها وأشد نُكراً في العقول نبَّه على ذلك ألطف
تنبيه بحذف أحد ركنيها. فلم يقل: اتخذتم العجل إلهاً، بل طوى هذا المفعول
الثاني للتصريح به في صحبة الأول وبياناً لما بينهما من مفارقة.
وكم في هذا الحذف من تعبير وتهويل.
٧ - ثم انظر إلى النواحى التي أوثر فيها الإجمال على التفصيل، إِعراضاً
عن كل زيادة لا تمس إليها الحاجة البيانية في الحال.
فقال: (مُصَدَقاً لِمَا مَعَهُمْ) ولم يبين مدى هذا التصديق.
أفى أصول الدين فحسب؟ أم فى الأصول وبعض الفروع؟.
وإلى أي حد. . فليبحث علماء التشريع.
وقال: (تَقْتُلونَ أنبِيَاءَاللهِ مِن قَبْلُ) فمَنْ هؤلاء الأنبياء؟
وكم عددهم؟ . . فليبحث علماء التاريخ.