هذا على اعتبار أن التقديم يجرى في القرآن على حسب الأفضلية.
ولكن الواقع أن ليس كل تقديم في القرآن جارياً على أن القدم أفضل من المؤخر بل للتقديم فيه أسرار أخرى غير هذا.
فالأولى عدم التمسك بها والتماس وجه آخر
ينطلق معه الفهم في آفاق رحبة.
أما الشُّبهة الأخرى فلم يتعرض لها الباقلاني. وقد عثرتُ في كشاف
الزمخشري على توجيه للآية يحسن بنا الإشارة إليه.
وتوجيه الزمخشري للآية ذو شقين:
الأول: أن يكون " أجل مسمى " معطوفاً على " كلمة " وعليه ففى الآية
فصل بين المتعاطفين.
الثاني: أن يكون معطوفاً على الضمير في " لكان " وعليه فلا فصل فى
الآية. وتقدير المعنى حينئذ: " ولولا كلمة سبقت من ربك لكان الأخذ العاجل والآجل لازمين لهما كما كانا لازمين لعاد وثمود ".
والوجه الثاني هو الذي يهمنا من أجل قضيتنا هذه لأنه لا يلزم عليه تقديم
ولا تأخير فيسقط الاستدلال به.
والمسألة بعد - في رأى الإنصاف - بين نفاة السجع ومجوزيه لا تعدو أن
تكون خلافاً لفظياً ما دام الاثنان متفقين على تنزيه القرآن عن التكلف والتوعر والتقليد.
فلا ضَير أن يقال: إن في القرآن سجعاً لكنه فصيح غير متكلف كما
يقول أبو هلال: " مخالف في تمكين المعنى وصفاء اللفظ وتضمن الطلاوة والماء
لما يجرى مجراه من كلام المخلوقين " ولا سبيل إلى إنكار السجع ففيه منه القدر
الكثير والاتفاق في التسمية لا يضير مادامت التفرقة بينه وبين غيره مقيسة
بمعايير الجودة والحسن وخلوه من العيوب التي ألفوها في غيره.
* * *