وذلك مثل كلمة " النُذُر " في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) .
فكلمة " النُذر " ثقيلة منفرة. بما فيها من تشديد النون، وتوالى الضمات. فكان التمهيد في صدر الآية لذلك بالقلقلة في الدال من " لقد " والطاء من " بطشتنا " وبثلاث عشرة فتحة متناثرة على الحروف من
واو " ولقد " إلى راء " فتماروا "، وبالمد في ألف " بطشتنا " كأنها تثقيل
لخفة التتابع في الفتحات. وترويض للسان عليه ليكون ثقل الضمة مستخفاً بعد ولتكون هذه الضمة قد أصابت موضعها كما تكون الأحماض في الأطعمة.
وقد جاءت راء " تماروا " مساندة لراء " النُذر " حتى إذا انتهى اللسان من
هذه انتهى إلى مثلها. فتخف عليه ولا تغلظ ولا تنبو فيه.
ثم انظر لتلك الغنة التي سبقت الطاء في نون " أنذرهم " وفي ميمها.
وللغنة الأخرى التي سبقت الذال في " النُذُر ".
وقد تمهد الحروف لإيثار كلمة على أخرى تشترك معها في أصل الدلالة.
ومن ذلك فيما يبدو قوله تعالى:(مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) . .
حيث لم يقل " في بطنه ".
كما في قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران:(رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا) ، وكان يمكن أن تقول:" في جوفى " وذلك لأن حرف
الجيم تكرر في الآية الأولى مرتين - كما ترى - فناسب ذلك إيثار الكلمة التي تبدأ بالجيم " جوفه " على ما خلت منه " بطنه "، وقد غفل أحد الباحثين عن هذا التوجيه عند حديثه عن الفروق بين الكلمتين في الاستعمال القرآني.