ويسششهد على هذا فيقول: " فقد روى أن عمر بن الخطاب - وهو من
الفصاحة بمكان - كان يقرأ قوله عزَّ وجلَّ: (وَفَاكِهَةً وَأبًَا) ، فلا يعرفه
فيراجع نفسه ويقول: ما الأبُّ؟
وكان ابن عباس رحمه الله يقول: لا أعرف " حناناً "، ولا " غسلين "،
ولا "الرقيم ".
ثم يقول: " فأما المعاني التي تحملها الألفاظ، فالأمر في معاناتها أدق،
لأنها نتائج العقول، وولائد الأفهام. وبنات الأفكار ".
ثم يقول: " وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر، لأنها
لجام الألفاظ، وزمام المعاني، وبه تنتظم أجزاء الكلام، ويلتئم بعضه ببعض،
فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان ".
ويخلص من هذا كله إلى رأيه في الإعجاز على الوجه التالى:
١ - " أن القرآن إنما صار مُعجِزاً، لأنه جاء بأفصح الألفاظ، في أحسن
نظوم التأليف، مضمناً أصح المعاني ".
٢ - صنيعه في القلوب، وتأثيره في النفوس. فإنك لا تسمع كلاماً غير
القرآن منظوماً أو منثوراً إذا قرع السمع خلص إلى القلب. من اللذة والحلاوة فى حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى. ما يخلص من القرآن إليه ".
وبهذا يتضح رأى الخطابى في الإعجاز البياني، إعجاز القرآن عنده كامن
فى روعة لفظه. وحسن معناه، ودقة نظمه، وفي تأثيره في النفوس وسريانه
إلى القلوب.
* * *