وهم يشرودن خائفين منها لا فيها من نُذُر تطير منها قلوبهم التي غمرها
الشيطان بغوايته ونفوسهم التي أسرها الهوى بضلاله. وكلمة " مستنفرة "
تزيد المعنى دقة ووضوحاً لأن من الحُمُر حُمُراً أهلية تأنس إلى مَن تراه وليست
هذه منها بل هي مستنفرة تفزعها مجرد الرؤية بله الطلب وتوقع الخطر. وكذلك كلمة " فرت " إذ تبين هذه الكلمة أنهم لشدة إعراضهم لم يشردوا من الداعي ماشين على أقدامهم فوق الأرض. بل طائرين في الفضاء كلما يصنع الطير المهيج.
وقد اشترك الظل مع الجرس في دلالة هاتين الكلمتين " مستنفرة "، " فرت "
كما ترى.
* *
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) َ.
هذه الآية تصور - كذلك - تملص رجل من الإذعان لهدى الله.
وقد اختير للدلالة على هذا المعنى كلمة " انسلخ " وهذا اللفظ يرسم لنا الصورة عنيفة فظيعة ولهذه الصورة رمز ومعنى.
فالانسلاخ لغة: إزالة الستور. يقال: انسلخ الرجل من ثيابه إذا طرحها،
والشاة إذا أزيل عنها جلدها.
فكان خروج هذا الرجل عن طاعة الله إلقاء لستوره وما يحفظ عليه أمره، فهو - بعد - لا يلوى على شيء من أسباب الكرامة ودواعى التوقير. .
قال الزمخشري في توجيه هذا المعنى:
" فحططناه ووضعنا منزلته ".
ومعنى آخر يُفهم من هذا التعبير. ذلك أن الانسلاح للشاة لا يكون إلا بعد
الذبح ومحال أن يُسلخ جلد شاة وهي على قيد الحياة.
وفي هذا تضمين يوحى بأن هذا الرجل ومَن كان على شاكلته أموات غير أحياء. وليس هذان المعنيان