للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا أغرى صاحب الملاحظات أن يقول: إن وقوع مفعول مكان فاعل إنما جاء من أجل الرعاية اللفظية. وهذا وهْمٌ.

وإنما الداعي إلى ذلك هو المبالغة في قوة المعنى.

وأن الحجاب الذي جُعِلَ بين الكافرين وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما يتلوه من آيات بينات. لعدم انتفاعهم بها وشدة

نفورهم عنها. كاد يكون لقوة ستره مستوراً. أي أن أثره تعدى موضعه حتى

شمل الحجاب نفسه ففى التعبير تخييل على حد قول الشاعر:

وَمَا أنَا وَحْدِى قُلتُ ذا الشِعْرَ كلهُ. . . وَلكِنْ لِشِعْرِى فِيكَ مِن نَفْسِهِ آياتُ شِعْرِ

ففى العبارة مجاز عقلي. وكذلك يقال في قوله تعالى: (فَهُوَ فِى عِيشَةٍ

راضِيَةٍ) مما أطلق عليه: إيقاع فاعل موقع مفعول.

وقد ذهب - كذلك إلى أن إجراء غير العاقل مجرى العاقل من أجل رعاية

الفاصلة. والواقع يخالفه.

لأن العِلَّة في إجرائه هذا الجرى أن أسند إليه من الأعمال ما لا يصدر إلا عن

العاقل، وواضح أن السجود والسبح من أعمال العاقلين. ذلك هو السبب.

وليس رعاية الفاصلة وحدها كما زعم.

والتعبير بهذا الأسلوب فيه تحقيق للمعنى وتقوية. فالسجود المصادر من

الشمس والقمر والكواكب مماثل لما يصدر ممن هو أهل له في الفهم والإدراك.

والسبح المصادر منهما مماثل لسباحة السباحين الماهرين في السهولة

والانبساط والانتظام حيث لا اضطراب فيه. ولا اختلال في سيره.

وهذه ظاهرة أسلوبية في القرآن لم تقف عند ما ذكره. فقد جاء فيه عن

الأرض والسماء: (قَالتَا أتَيْنَا طائِعِينَ) وغير ذلك كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>