قال ابن أبى الإصبع في توجيه هذه الآية: " فإن على ظاهر هذه الآية
إشكالين: أحدهما من جهة الإعراب. والآخر من جهة المعنى.
فأما الذي من جهة الإعراب فعطف ما ليس بمجزوم على المجزوم، والذي من جهة المعنى أن صدر الآية يغنى عن فاصلتها لأن توليهم عند القاتلة دليل على الخذلان. . .
والخذلان والنصر لا يجتمعان ".
" والجواب أن الله سبحانه وتعالى أخبر المؤمنين بأن عدوهم هذا إن قاتلهم
انهزم. ثم أراد - وهو أعلم - تكميل القوة بإخبارهم أنه مع توليه الآن لا يُنصر أبداً في الاستقبال. فهو مخذول أبداً ما قاتلهم. فيثق المؤمنون بنصر الله
تعالى لهم على هذا العدو. ويتيقنوا أنه متى قاتلهم كان مخذولاً. فيقدموا
على لقائه كلما أرادوا ذلك بثبات قلوب، وقوة نفوس. لا يتوقفون في لقائه
ولا يخشون مغبة قتاله. ولو وقع الاقتصار على دون الفاصلة لم يوف الكلام
بهذا المعنى. لأنه لا يعطى: (وَإن يُقَاتِلوكُمْ يُوَلُوكُمُ الأدبارَ) أنهم
متى قاتلوهم كان الأمر ذلك. . . ولا علم سبحانه - وهو أعلم - أن الاقتصار على ما دون الفاصلة لا يُفهم منه دوام هذه البشارة إلى آخر الأبد. والمقصود دوامها قال: (ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ) . ومنع الفعل الجزم. وإن عطف على مجزوم ليبقى المعنى الذي وضعت له صيغة المضارع من الدلالة على الحال والاستقبال.
فيُعلم أنه أراد - وهو أعلم - أنهم لا يُنصرون في الحال. ولا في الاستقبال.
ونوى من الفعل الاستئناف لا العطف على ما تقدم فيُقدر أنه قال: " ثم هم
لا يُنصرون ". .
وأحسن ما وقع في هذا النظم اختيار لفظة " ثم " دون سائر حروف العطف لا
تدل عليه من التراخى والمهلة الملائمة لما قصد من الاستقبال فاتضح المعنى
وارتفع الإشكال.
وتضمنت هذه اللفظات السبع: ستة عشر ضرباً من البديع:
" التعليق، والمطابقة المعنوية، والاحتراس، والتكميل، والتنكيت، والمقارنة، والإيضاح، والإدماج، والترشيح، والإيغال، والإيجاز، والافتنان،