وعلى هذا الأساس يمكن بيسر فهم عِلَّة التكرار الذي حفلت به سورة الرحمن
أنه تذكير وتقرير لنعمه. وأنها من الظهور بمكان فلا يمكن إنكارها أو التكذيب بها
" فتكرار الفاصلة في الرحمن. . يفيد تعداد النِعَم والفصل بين كل نعمة
وأخرى لأن الله سبحانه عدد في السورة نعماءه وذكر عباده بآلائه.
ونبههم على قدرها وقدرته عليها ولطفه فيها.
وجعلها فاصلة بين كل نعمة لتعرف موضع
ما أسداه إليهم منها. ثم فيها إلى ذلك معنى - التبكيت والتقريع والتوبيخ -
لأن تعداد النِعَم والآلاء من الرحمن تبكيت لمن أنكرها كما يبكت منكر أيادى
النعَم عليه من الناس بتعديدها.
ولقائل أن يسأل: إن هذه الفاصلة قد تكررت بعد ما هو ليس بنعمة من وعيد وتهديد. فكيف يستقيم التوجيه إذن بعد هذه الآيات:
(يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٦) .
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٢) . ً
(هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٥) .
وظاهر هذه الآيات بلاء وانتقام وليس بنِعَم؟
والجواب: ولكن المتأمل يدرك أن في الإنذار والوعيد وبيان مآل الضالين
عصمة للإنسان من الوقوع فيما وقعوا فيه فيكون مصيره مصيرهم.