كما يلاحظ الباحث أن آية البقرة قد صُدِّرَت بقوله: (وَقُلنَا يَا آدَم) ، أما
الأعراف فقد حُذفَ منها القول وصُدِّرَت بالنداء وحده: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أنتَ وَزَوْجُكَ الجَنةَ) ، كما صُدِّرَت آية طه بالقول مسبوقاً بالفاء دون الواو كما فى البقرة: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) .
ولعل السر في ذلك أن القول في البقرة عطف على نظيره في صدر الآية
السابقة: (وَإذْ قُلنَا لِلمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ) .
أما في الأعراف فقد حُذفَ القول. وبُدِئَ في خطاب آدم بالنداء لأنه قد سبق
عليه قوله تعالى: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) .
فلو قال بعده: " وقلنا. . " لتَوهم متوهم أن " قال " في الآية السابقة ليست عن قول الله لإسناده إلى ضمير الغائب وإسناد " قلنا " لضمير المتكلم، وقد عرفنا حرص القرآن على إسناد القول إلى ضمير المتكلم في موضع الأمر بالسكنى لآدم وزوجه.
والأظهر هنا أن الواو للاستئناف في: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ) حتى تظهر
المغايرة التامة بين مأمور بالخروج مذءوماً مدحوراً، ومأمور بالتمكن معرزاً
مكرماً.
أما العطف في طه بـ " الفاء ": (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) فلما في " الفاء " من الترتيب والتعقيب. وما تفيده كذلك من
معَنى السببية. إذ تقدم عليها امتناع إبليس عن السجود له.
فأبان العطف بـ " الفاء " ترتب نصح الله لآدم على امتناع إبليس عن
السجود. وأن ذلك حدث دونما فصل بين الامتناع والنصح - هذا من حيث الترتيب والتعقيب - أما من حيث السببية فإن كون إبليس ممتنعاً عن السجود لآدم. فذلك سبب في أنه عدوهما والحقود عليهما.
* *