للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ضياء الدين معلقاً على هذا النص الحكيم: " فانظر أيها المتأمل في هذا

الكلام الشريف الآخذ بعضه بركاب بعض مع احتوائه على ضروب من المعاني، فيخلص من كل واحد منها إلى الآخر بلطيفة ملائمة حتى كأنه أُفرِغَ في قالب واحد. فخرج من ذكر الأصنام وتنفير أبيه وقومه من عبادتهم إياها مع ما هى فيه من التعرى عن صفات الإلهية حيث لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، إلى ذكر الله تعالى فوصفه بصفات الإلهية فعظم شأنه، وعدد نعمه ليُعْلِم بذلك أن العبادة لا تصح إلا له. ثم خرج من ذلك إلى ذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه. فتدبر هذه التخلصات اللطيفة في أثناء هذا الكلام ".

وهذا أحد مواضع ذكرها ابن الأثير للتدليل على ما للقرآن من قوة الربط

والانتقال من معنى إلى آخر انتقالاً مناسباً لا اقتضاب فيه.

وما أرانا في حاجة إلى ذكِر بقية الأمثلة التي أشار إليها بقوله:

" وفي القرآن مواضع كثيرة من التخلصات ".

وابن الأثير موفق كل التوفيق فيما أوضحه، وهو على طوله، لم يف بما

يمكن أن يستخلصه الباحث للربط بين تلك المعاني التي ذكرها.

ومع هذا القصور الملحوظ في توجيهه فإن فيه كفاية لحاجة التعجل، ودفعاً لشُبه التطفل.

وقال الزركشي: ". . . وبهذا يظهر لك اشتمال القرآن على النوع المسمَّى

بالتخلص، وقد أنكره أبو العلاء محمد بن غانم المعروف بالغانمي.

وقال: ليس فى القرآن منه شيء لا فيه من التغلف. وليس كما قال: " ومن أحسن أمثلته قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ، فإن فيه خمس

تخلصات.

وذلك أنه جاء بصفة النور وتمثيله، ثم تَخلص منه إلى ذكر الزجاجة

وصفاتها.

ثم رجع إلى ذكِر النور والزيت يستمد منه. ثم تخلص منَه إلى ذكِر

<<  <  ج: ص:  >  >>