ثم انظر في أي شيء يتكلم القرآن - هنا - أليس في فريضة مفصلة، وفى
مسألة دموية. وجناية من أخطر جنايات النفس؟
وسبيل هذا أن يُصاغ في قوانين، تحدد الجريمة، وتضع أساس العاقبة عليها
فى كلمات جافة لا تعرف الليونة. ولا تميل إلى المهادنة.
لكن منهج التريية والتوجيه الخُلقى في القرآن الحكيم هو سر ذلك البيان
الرفيع الذي يتيح لصاحب الحق الأخذ بحقه. وفي نفس الوقت يهديه للتى هى
أقوم. (فَمَنْ عَفَا وَأصْلحَ فَأجْرُهُ عَلى اللهِ) .
وقد نهجَ القرآن هذا المنهج في جميع تشريعاته: في الطلاق والظهَار والإيلاء،
فى تقسيم الإرث والتركات، في تشريع الصيام والحج والزكاة، في إبرام
العقود ووضع المواثيق، في مباشرة الحقوق ومعاملة الأسرى والرقيق.
في كل أولئك يضع ضمانات العدالة، وأسس ضبط النفس.
فتراه يقول عندما أباح للمعتدى عليه أن يأخذ بحقه: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤) .
فالآية هنا تبيح لمن اعُتدَى عليه أن يَعتدى على المعتدي. .
ولكن استعمال هذا الحق أُحيط بثلاث ضمَانات أو ضوابط:
١ - أن يكون الاعتداء الواقع من المعتدَى عليه، مثل الواقع من المعتدِي
حسما للتمادى من أيهما.
٢ - وقد سمى الثاني اعتداءً، وكان حقه أن يسمى: جزاءً. لماذا؟ . .
لأن اللفظ الثاني يغري المظلوم على التمادي.
أما الأول فإنه يشعر وهو يباشر حقه فى الرد على مَن ظلمه، أنه يباشر اعتداء. فيكف ولا يطيل.