والشمس والقمر: أبواه - لما كانت كذلك - عوملت معاملتهم فأجرى عليها ماجرى عليهم.
والفرق بين التوجيهين: أن الأول عام يمكن الانتفاع به في غير هذا الموضع،
والثاني خاص به دون سواه.
وقال سبحانه: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) .
عامل الشمس والقمر، والليل والنهار معاملة جمع المذكر العاقل.
فأجرى عليها ضميره. لأن الدقة والنظام اللذان يُشاهَدان في سير هذه الكواكب والظواهر الكونية خليق أن يأتى
من حكماء العاقلين، لا من أجرام وظواهر.
وهذا سوغ أن تكون مثلها فعوملت معاملتها.
والخلاصة أن ما يجرى مجرى العقلاء في القرآن الكريم.
إنما هو للمبالغة فى المعنى لتأكيده وتقريره.
وأن كل موضع وردت فيه هذه السمة، اشتمل المقام
فيه ما يسوغ هذا الصنيع في حكم البلاغة.
ليكون المعنى أوقع في النفس، وأيسر في الفهم، وأمثل للنظر.
وليس في هذا الاستعمال مخالفة للوضع اللغوي أو العُرف البياني، وإنما هو مسلك البلغاء الفاقهين لأسرار المعنى وتصاريف الأساليب.
وهو في القرآن على أسمى وجه وأرفع منزلة.
* * *
٣ - نماذج عامة:
تحدثنا في الصفحات السابقة عن لونين من ألوان التعبير القرآني نهج فيهما
منهج التصوبر والتمثيل في النماذج البَشرية السابقة.
ثم حياة الجمادات.
وعرفنا سر كل أولئك.
ونذكر في الصفحات التالية نماذج عامة تجلت فيها هذه السمة
فوهبت الجماد حركة والمعنويات تجسيماً.
والخفيات ظهوراً.