٤ - وإما لأن في التأخير إخلالاً بالتناسب.
وقد فسَّروا هذا التناسب برعاية الفواصل، والسجع، وموافقة كلام السامع
ومن أمثلتهم في رعاية الفاصلة قوله تعالى: (فَأوْجَسَ في نَفْسه خيفَةً
موسَى) . حيث جعلوا تقديم الجار والمجرور والمفعول به على الفاعل
" موسى " لرعاية الفواصل. لأنها مبنية على الإلف.
وجعل السكاكي التقديم للعناية مطلقاً. سواء أكان من معمولات الفعل
أو غيره، قسمين:
أحدهما: أن يكون أصل الكلام التقديم، كتقديم المبتدأ المعرف على الخبر،
وتقديم ذي الحال المعرف على الحال، وتقديم العامل على المعمول.
وثانيهما: أن تكون العناية بتقديمه، إما لأنه نصب عينك كتقديم المعمول
على العامل في قولك: وجه الحبيب أتمنى، لمن قال لك: ما الذي تتمنى؟
وتقديم المفعول الثاني على الأول في قوله تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ) .
على أنهما مفعولا " جعلوا ". فإن ذكر الله.
وذكر وجه الحبيب أهم لأنه في نفسه نصب عينك.
كذلك إذا توهمت أن مخاطبك ملتفت إليه منتظر لذكره، كقوله تعالى:
(وَجَاءَ مِنْ أُقْصَا المدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) .
وكما إذا عرفت أن في التأخير مانعاً كقوله تعالى:
(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)
حيث قَدمَ الحال من " قومه " عَلىَ الوصفَ " الذين كفروا "
إذَ لو تأخر لتوهم أنه من صلة الدنيا، لأنها هنا اسم تفضيل من الدنو وليست اسماً، والدنو يتعدى بـ " من ".