يقول الدكتور عبد الغني الراجحي موجهاً هذه الظاهرة ما خلاصته: " والقاعدة التي انتهينا إليها بعد طول النظر والبحث أنه بالنسبة للخلق والعباد وفي مقام ذكر حواسهم والاستفادة بها، وفيما يوحى إليهم من الرسالات، أو عدم الانتفاع بها في هذه المجالات يتقدم السمع على البصر، لأن الوليد يكتمل تمييزه بسمعه قبل بصره، ولأن المسموعات من جميع الجهات. والمرئيات من جهة واحدة.
ولأن الانتفاع بالسمع في مقام الهدايات والنبوات أكثر.
هذا بالنسبة للعباد لا يكاد يتخلف فيأتي البصر قبل السمع إلا لملحظ بلاغي ".
ثم يُخرًج الراجحي الآيات التي قُدم فيها البصر على السمع تخريجاً لا يخالف
عليه. . ثم يقول: " أما بالنسبة إلى الله جلَّ جلاله فالأمر فيه على خلاف
البَشر لا ترتيب ولا تفاوت عنده بين المسموعات والمبصرات، فإذا جاء البصر متقدماً على السمع - كما في سورة الكهف - أو جاء السمع مُقدماً على الرؤية - كما في سورة طه - فلا غضاضة في ذلك لا سيما إذا كان كل واقعاً موقعه لمناسبات لفظية ومعنوية تقضي بذلك ".
وقد خولف هذا الأصل - شأنه شأن كل الأصول - لاعتبارات مناسبة،
فقوله تعالى في سورة الكهف: (أبَصرْ به وَأسْمِعْ) قد تقدم عليه قوله:
(لهُ غَيْبُ السماوات وَالأرْضِ) وَالغيب شامل للمبصرات والمرئيات
والمسموعات وغيرهما، لكن ما غاب من المخاطب من مبصرات السموات
والأرض - إذ هو الكون كله وما وقع عليه بصر المخاطب من حيز ضيق محدود - أكثر بهذا الاعتبار مما غاب عنه من مسموعات. .
لذلك اقتضى المقام الإتيان بالبصر مقدماً على السمع.
وقوله تعالى فيها أيضاً:
(الَّذِينَ كَانَتْ أعْيُنُهُمْ فِى غطاءٍ عَن ذكْرِي وكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) .
حيث قدم البصر على السمع على خَلاف