وقد أثبتنا مواضع لم يتنبه إليها هو قُدم فيها البصر على السمع.
وقد خرجنا تلك الأمثلة على غير الوجه الذي ادعاه.
وقد سبقنا أحد الباحثين إلى شيء من ذلك أشرنا إليه في موضعه.
ثالثاً: أنه كما أهمل التقديم المفيد للاختصاص حصر بحثه في نوع معيَّن هو
الأسماء والصفات المرتبطة ارتباطاً عطفياً. ولم يشر من قريب أو بعيد إلى
تقديم المسند إليه، أو المسند، أو المفعول به، أو متعلقات الفعل مما عنى به
البلاغيون عناية فائقة.
وحتى عندما يذكر مثالاً على ما يراه من قاعدة فإنه يكتفى بعرض المثال دون
تحليل، اللهم إلا فيما ندر كتوجيه تقديم الأنعام على ضمير المخاطبين، وقد
وُفِقَ فيه، وكتوجيه تقديم الوصية على الدَّيْن، وقد وُفِقَ فيه كذلك.
رابعاً: أن نظريته تعتمد على قواعد عامه تفتح باباً من الخلاف معه عند
التطبيق - كما رأينا - أما البلاغيون فقد بنوا نظرتهم على أسس وقواعد فنية
يقل أو ينعدم الخلاف معهم فيها عند التطبيق.
خامساً: أنه بحسب طبيعة منهجه - فاته الكثير من مظاهر التقديم فى
القرآن كتقديم السمع على العلم. وقد خلا منهجه من الإشارة إليه مع كثرة
ما سرد من أمثله في باب التشريف بالذات.
سادساً: ويؤخذ عليهما معاً - البلاغيين وابن الصائغ - أنهم يجعلون مراعاة
الفواصل سبباً في التقديم، وهذا اعتبار لفظي فحسب لا يليق أن نفهم على
أساسه روائع التعبير في القرآن الكريم وحسب ابن الصائغ أنه مجتهد،
والمجتهد لا يخلو من الأجر - إن حسنت النية - أخطأ أو أصاب، ويين الأجرين فرق ما بين الصواب والخطأ.
سابعاً: ويؤخذ على البلاغيين أنهم أهملوا كثيراً من مظاهر الأسلوب فلم
يتعرضوا لها تعرضاً كافياً، ولم يدخل شيء منها في حسابهم.
مثل تقديم الوصية على الدَّيْن لأنه ليس بمسند إليه ولا مسند، ولا مفعول به، ولا ظرفاً. .