فبعضها - عنده - يقيد القصر وهذا صحيح، وبعضها لا يفيد، وهذا غير
صحيح، لقد أغراه الحسن اللفظي فيه فراح يشيد به، وينفى عنه إفادة القصر.
والواقع أنه يفيد الأمرين: القصر - كما يرى غيره - والحسن اللفظي - كما يرى هو ولا ينازعه في ذلك أحد.
وما الذي يمنع من إفادة القصر في قوله تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) ؟.
لقد أجمع البيانيون أن مثل هذا التعبير يفيد التوكيد والاختصاص مرة،
والتوكيد مرة أخرى على حسب تقدير المحذوف.
ولو كان المراد الحسن اللفظي - أي بدء الجمل بأسماء كما يقول - لما جاءت
القراءة المشهورة التي هي النصب. لأن الرفع يوفي بالغرض حينئذ. وقراء الرفع هنا قراءة صحيحة كما نص عليها الشيخان أبو السعود والزمخشري.
وكذلك لا يسلم قوله بالحسن اللفظي فقط في قوله تعالى: (فَأمَّا اليَتيِمَ
فَلاَ تَقْهَرْ) ، لأن لو كان الأمر - كذلك - لوجب التماثل بين الفواصل
ولقال - مثلاً - فخبر فتبنى الفواصل على حرف الراء.
أما تقديم الخبر فقد مثل له بقوله تعالى: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ) ، وهو يرى في تقديم الخبر في هذا الموضع التدليل على فرط
اعتقادهم في حصانتها، وزيادة وثوقهم يمنعها إياهم.
قال: " وفي تصويب ضميرهم اسماً لأن بناء الجملة عليه، دليل على
تقريرهم في أنفسهم أنهم في عزة وامتناع لا يبالى معهما بقصد قاصد، ولا تعرض متعرض ولا شيء من ذلك في قولك: وظنوا أن حصونهم مانعتهم من الله.