فلو أنك نظرتَ إلى آية البقرة المذكورة وحدها لم يظهر لك شيء من أمر
التقديم والتأخير فيها.
لكنك حين تقارنها بآية الأعراف المتفقة معها في أصل المعنى المختلفة معها
فى النظم بان لك أمر التقديم والتأخير واضحاً.
فدخول الباب سُجداً مُقدم في البقرة، والقول بالحِطة مؤخر.
وقد عكس ذلك فى الأعراف فجاء القول بالحِطة مقدماً ودخول الباب سُجداً مؤخراً إ!
وقد أحصيتُ من هذا النوع واحداً وعشرين موضعاً في القرآن الكريم. فرحتُ أبتغي توجيهاً لها عند المفسرين فلم أجد إلا عبارات مقتضبة في مواضع قليلة جداً لم تشف غليل باحث.
وبدهي أن البلاغيين لم يعالجوا هذا النوع لا من قريب، ولا من بعيد.
إلا في موضع واحد أو اثنين وسنشير إلى هذا كله فى
موطنه.
والحق يقال إن الإمام الزركشي قد سرد هذه الآيات في باب التشابه وحلل
القول في مواضع نادرة منها، وحتى ما كتبه هو لم يحل المشكلة.
وسأنبه عليه فى موضعه كذلك.
أمام هذه الاعتبارات اضطررتُ إلى استئناف البحث في هذه المواضع جميعاً.
معتمداً في توجيه السر فيها على ما يأتي:
١ - شروح المفسرين وما قاله بعضهم من عبارات مقتضبة لم تشف غليلاً.
٢ - ما كتبه الزركشي في البرهان عن بعض المواضع منها.
٣ - وهو المعتمد الأهم. هو القرآن نفسه أوازن وأستنتج وأقف في كل
موضع أدرسه على ما اشتمل عليه من دقائق اللفظ والمعنى، وقرائن الأحوال
واختلاف المقامات والسابق واللاحق نزولاً.
وكان لهذا فضل توجيهى في كل المواضع التي تناولتها بالدراسة هنا.