دائماً على الصِلة. فكان حق العائد عليه التقديم على التعلق بالصلة.
لكن خولف هذا الأصل في المواضع الثلاثة المذكورة وهذه المواضع منها موضعان مكيان هما: الأنعام والنحل.
والموضع الثالث - وهو المائدة - مدنى إلا الآية
التي فيها هذه العبارة فمكية نزلت في حجة الوداع كما نص على ذلك العلماء.
وجاءت العبارة على الأصل (وَمَا أُهِل لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) في موضع واحد،
هو سورة البقرة. وهي مدنية بلا خلاف.
والآن نستطيع أن نفهم السر في التقديم والتأخير في هذه النصوص الحكيمة
وخلاصة القول فيه:
إن ما قُدم فيه " لغير الله " على " به " خطاب لأهل مكة، مسارعة إلى
نفى الشِرك وإبطالاً لاتخاذ الأصنام آلهة تُعبد، ويُذبح ويُنحر باسمها، بدليل
أن السورتين - الأنعام والنحل - مكيتان.
والمائدة - وإن كانت مدنية - فإن الآية الواردة فيها هذه العبارة مكية نزلت في حجة الوداع.
وكأن القرآن يقول لأهل مكة: لا تظنوا أن الإسلام قد سكت عما أنكر عليكم وقد رحل رسوله ورجاله عن دياركم وغابوا عنكم طيلة عشر سنين. فإن الإسلام باق على دعوته: الحلال حلال، والحرام حرام، لأنه مبادئ وأسس ثابتة لا تقبل الإبطال أو التبديل.
أما ما قُدم فيه " به " على " لغير الله " فهو خطاب لأهل المدينة، وهم
ليسوا عُبَّاد أصنام ولا كافرين حتى يسارع معهم إلى نفى الشِرك، وإبطال
الأصنام، والدليل على تأييد هذه الملاحظة أن الخطاب بدئ بقوله تعالى:
" يا أيها الذين آمنوا. . " فالخطاب إذن مع مؤمنين.
مع أهل مكة يهدف القرآن إلى نفى الشِرك أولاً. ثم تحريم ما حَرم ثانياً.
ومع أهل المدينة يهدف إلى تحريم ما يُحرم أولاً. ثم الثبات على ما هم عليه
من الإيمان ثانياً.
*