فالأمر الذي يُفهم من النص نفسه في آية الأنفال استغاثة من المؤمنين يوم بدر
بريهم.
والاستغاثة: طلب الغوث. والمستغيث: متشوِّق لما يُغاث به متطلع
إليه في موطن الخوف وطلب النجدة فجاء قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) .
فقدم ضَمَير الإمداد مع عامله على القلوب لاهتمامهم به،
وشدة حاجتهم إليه، لأنه موضع رجائهم.
فالمقام هو الذي اقتضى تقديمه ولعل عجز الآية يقوي ذلك:
(إن اللهَ عَزِيرٌ حَكِيمٌ) . . عزيز: لا يغلب جنده، وحكيم: لا يعطى النصر والمدد إلا لمن يستحق، مؤكداً ذلك بـ " إن " واسمية الجملة.
أما آية آل عمران فقد خلت من هذا الاعتبار، فأخرج الكلام فيها مخرج
الوعد المشروط: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) .
ففى الآية حكاية ما حدث يوم " بدر "، وتذكير لهم بما صنع الله معهم
فيها، واعداً أن يصنعه في " أُحد " لو صبروا واتقوا.
فلم يصبروا عن الغنائم، ولم يتقوا حيث خالفوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلذلك لم تنزل الملائكة.
والذي يُفهم من خارج النص: أن " الأنفال " نزلت في غزوة بدر والدماء لم
تجف بعد، والعهد بها لم يطل فالخطاب فيها مؤسس، فروعي فيها ما روعي
من مقتضيات الأحوال على نحو ما ذكرنا.
وآية آل عمران تذكير بما حدث.
وحكاية حال مضت إذ هي - أي آل عمران - مدنية متأخرة في النزول عن وقوع