والتفتن في المعارضة، ولحجج الخصومة فيما حكاه القرآن عن القوم فى
الإسراء حال داعية إلى تقديم: " الشهادة " على: " البينة " لأنهم حين لم
تثمر فيهم النُذر التي بلغتهم عن ربهم أثاروا في الداعي شعور الاستياء منهم
والأسف عليهم. فكأنه - أي الداعي - كان يردد في نفسه: ربي. . إن خروج هؤلاء عن الحق. وتماديهم في الباطل، ليس عن تقصير مني لقد بلغتهم ما أمرتنى به. وأنت تعلم أنى قد بلغت.
ههنا خصومة محتدة، ولا يفصل في الخصومات المحتدة أفضل من شهادة
حق، لذلك رجح تقديم: " شهيداً " وهو الأصل على تأخيره، وهو جائز.
وإنما كان تقديم: " شهيداً " هو الأصل لأنه حال أو تمييز، وهو صفة
مشبهة باسم الفاعل صالح لأن يتعلق به شيء،
والظرف هنا: " بينى وبينكم "
متعلق به فرتبته إذن التأخير حيث لا مقتضى للخروج عن الأصل.
وتأخيره غير مخل بالتعبير لكونه في الأصل كذلك ولأن الفاصلة:
(إنهُ كَانَ بعَبَاده خَبيراً بَصيراً) . تشير إلى طرفى موضوع الشهادة.
المشهود له، وَالمشهَوَد عَليه. إذَ هي نص صريح في أن الله خبير بصير بالعباد ففيها نوع تخصيص بتعلق العلم والبصر.
وهذا يفيدنا في توجيه تقديم الظرف: " بينى وبينكم " على: " شهيداً "
فى سورة العنكبوت.
ونص الآية مرة أخرى: (قُلْ كفَى بالله بَيْنِى وَبَيْنَكُم شَهِيداً يَعْلمُ مَا فِى
السماواتِ والأرْضِ. .) أي بينى أنا وبيَنكم أنتم لا بيني وبين أحد غيركم.