وفى " الرعد " إشارة إلى دوام الأكل وإن انفردت بذكر الظل.
وفي " محمد " تعيين لذلك الأكل: (وَلهُمْ فِيهَا مِن كُل الثمَرَاتِ) .
والآيتان تثبتان للجنة الموعود بها المتقون كل أسباب البهجة والنعيم الخالد،
وقد اشتملت آية " محمد " على زيادة لا بدَّ لها من توجيه.
وهي قوله تعالى: (كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥) .
وقد تطوع الزمخشري بهذا التوجيه فقال:
" فإن قلتَ: ما معنى قوله تعالى: " مثل الجنة التي وُعِدَ المتقون فيها أنهار. . كمن هو خالد في النار. . . "؟
قلت: هو كلام في صورة الإثبات ومعناه النفي والإنكار. لانطوائه تحت
كلام مصدَّر بحرف الإنكار ودخوله في حيزه. وانخراطه في سلكه.
وهو قوله: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) ، فكأنه قيل: " أمثل الجنة التي وعد الَمتقون. كمن هو خالد في النارَ "؟
فإن قلتَ: فلِمَ عرى من حرف الإنكار. وما فائدة التعرية؟
قلت: تعريته من حرف الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة مَن يسوى بين
التمسك بالبينة. والتابع لهواه وأنه بمنزلة مَن يسوى بين الجنة التي تجرى تحتها
الأنهار ويين النار التي يُسقى أهلها الحميم ".
والحق أن ما ذكره الزمخشري كلام في منتهى الجودة.
وكذلك يرى العلامة أبو السعود في تفسيره. وقد زاد كثرة التقديرات إذ أورد الوجوه الآتية:
(كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ) : خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أمنْ هو خالد
فى الجنة حسبما جرى به الوعد كمن هو خالد في النار؟
وقيل: معناه أمثل الجنة كمثل جزاء مَن هو خالد في النار؟
ففى الكلام حذف متضايفين.