للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما في آية " الجاثية " فعرض لنموذج معيَّن فريد من جنسه، وقصد إلى

نوع ألد خصومة وأبعد ضلالاً، يشعر بذلك أن صدر الآية فيه لفت قوى إلى

تأمل حال هذا النوع: (أفَرَأيْتَ مَنِ اتخَذَ إلهَهُ هَواهُ) . . هذه واحدة.

(وَأضَلهُ اللهُ عَلى عِلم) . . وهذه ثانية.

(وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلبِهِ) . . وهذه ثالثة.

(وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) . . وهذه رابعة.

فهو لانغماسه في هواه لم يعر دعوة الحق أدنى اهتمام، فهو عنها في صمم،

فجدير بقلبه أن يُختم ما دام لم يصل إليه عن طريق السمع توجيه مفيد، فلم

يسمع، ولم يع، ولم ير شيئاً غير شهواته وملاهيه.

وقال في سورة الأنعام: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) . .

وظاهر أن هذه الآية مسوقة في مقام التهديد والوعيد وهو مقام قرة وعنف، ولهذا جاءت الاستعارة هنا مناسبة للمقام لا فيها من قوة وعنف، ففى الآيات السابقة كان كل من السمع والبصر موجوداً، لكنهما منوفان، وفي هذه الآية السمع والبصر مأخوذان من أصلهما، حتى ليخيل إلى التأمل في هذه الصورة أنها تمثل أناساً غريبي الخِلقة ليس لهم حاسة سمع ولا حاسة بصر!

والقلوب مع هذه مختوم عليها، فماذا بقى فيهم من وسائل النفع؟

لا شيء. . إذن فلا خير في بقائهم ولا أسف على هلاكهم.

* *

<<  <  ج: ص:  >  >>