وإنما عدل عن هذه الحقيقة إلى لفظ الإرادف لما فيه من الإيجاز والتنبيه على
أن هلاك الهالك ونجاة الناجى كان بأمر آمر مطاع، وقضاء مَن لا يُرد قضاؤه، والأمر يستلزم آمراً وقضاؤه يدل على قُدرة الآمر به، وطاعة الأمور تدل على قدرة الآمر وقهره وأن الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يحضان على طاعة الآمر ولا يحصل ذلك كله من اللفظ الخاص ".
ومن أمثلته أيضاً قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) .
قال: " فإن هذا الكلام عُدلَ فيه عن المعنى الخاص في موضعين توخياً
للمناسبة والتسجيع لأن المعنى الخاص في الموضعين أن يقال: لأخذناه أخذاً
شديداً وأهلكناه.
لكن هذه العبارة خالية من المناسبة لما تقدَّم هذين الموضعين وما تأخر عنهما.
ولما كانت المناسبة والتسجيع أمراً مطلوباً عدل عن اللفظ
الخاص الذي لا يعطى ذلك إلى لفظ يعطيه مع جزالة فيه ".
وأقول: إن المواضع التي ذكرها شواهد للإرداف لا تخرج عن الاعتبارات
الآتية:
١ - إيجاز القصر. . وذلك في قوله تعالى: (وَقُضِىَ الأمْرُ) وقد جرى
هذا التعبير مجرى الحكمة لإجازة لفظه ووفرة معناه.
٢ - الكناية عن الصفة. . وذلك في قوله تعالى: (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) ،
وقوله تعالى: (ثُمَّ لقَطعْنَا منْهُ الوَتينَ) لأن الأولى كناية عنَ العفة.
والثانية كناية عن الهلاك.
والوتين: نياط القلب إذا قُطِعَ مات صاحبه.