أجرا أيا كان ولا مالا، وما أجرك إلا على الله وحده، وما القرآن إلا ذكر وتذكرة للعالمين جميعا فمن شاء ذكره وآمن به، ومن شاء غير ذلك فحسابه على ربه.
لا تعجب يا محمد من كفرهم وقد ظهرت الدلائل في القصة دالة على صدقك فكثير من الآيات في السموات وما فيها والأرض وما عليها يمرون عليها مرور الحيوان أو الجماد وهم عنها معرضون لا يلتفتون إليها ولا يؤمنون بها، ولا غرابة فقد ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، فمن يهديهم من بعد الله، وهؤلاء الكفار المعاصرون لك ومن على شاكلتهم لا يؤمنون بالله إلا وهم مشركون، فالعجب أنك إن سألتهم قائلا من خلقكم؟ يقولون: الله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [سورة لقمان آية ٢٥، وسورة الزمر آية ٣٨] ولكنهم يعبدون معه آلهة وشركاء قائلين: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
أعملوا هذا فأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله تحيط بهم وتغشاهم فلا تترك أحدا منهم أو تأتيهم الساعة بغتة وفجأة وهم لا يشعرون؟ ولكنهم في ضلال مبين.
بعد هذا النقاش الدقيق وسوق الأدلة المفحمة وبيان أنه لا غرض لك إلا الخير لهم، وبيان أن طبعهم الكفر مهما ظهر من الأدلة، بعد هذا ساق البيان والطريقة المثلى التي تحمل الغرض العام من دعوته، فقال الله له: قل هذه سبيلي.. الآية والمعنى: قل يا محمد: هذه الدعوة التي أدعو لها والطريقة التي أنا عليها سبيلي وسنتي أدعو إلى دين الله لا غرض لي ولا قصد إلا إرضاء ربي والقيام بواجبى والامتثال لأمره- سبحانه وتعالى-.
وأنا على بصيرة من أمرى وحجة ظاهرة، ومعرفة كاملة بما أدعوا إليه أنا ومن تبعني ودعا بدعوتي وسار على طريقتي إلى يوم الدين وسبحان الله وما أنا من المشركين به غيره في أى ناحية من النواحي، لا أشرك به عرضا من أعراض الدنيا، ولا أوثر عليه مالا ولا ولا ولدا ولا تجارة ولا كسبا. بل: الله أكبر ولله الحمد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالا، لا ملائكة ولا إناثا، لقد أرسلنا رسلنا تترا وأوحينا إليهم. وأيدناهم بروح من أمرنا، وكانوا في جماعة من أهل القرى المجتمعة فيها الخلق، وهكذا الرسل كانوا لقيادة بعض الشعوب والأمم وأنت يا محمد لهداية كل القرى والأمم.