عجبا لكم يا كفار مكة أعميتم فلم تسيروا في الأرض فتنظروا وتروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم، وكانوا أشد منكم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمرتموها وجاءتهم رسلهم بالبينات فكفر من كفر وآمن من آمن فكان عاقبة الكفر هلاكا ودمارا، وعاقبة الإيمان نجاة واستقرارا في الدنيا، ولدار الآخرة خير للذين اتقوا: أجهلتم كل هذا فلا تعقلون؟! لقد أرسلنا رسلنا ولم نعاجل الكفار بالعقوبة بل أمهلناهم علهم يثوبون لرشدهم ويرجعون عن غيهم حتى يئس الرسل من النصر وإنزال العقوبة، واستيأسوا من إيمانهم أو عقوبتهم وظنوا أن قومهم قد كذبوهم فيما وعدوهم من العذاب. وقيل المعنى:
وظن القوم أن الرسل قد كذبوا فيما جاءوا به من الوعد والوعيد.
حتى إذا يئسوا وظنوا الظنون جاءهم نصرنا وأمرنا. ولا راد لقضاء الله ولا معقب لحكمه، فنجا المؤمنون الذين أراد الله لهم النجاة فآمنوا أما الكافرون فحاق بهم البأس والعذاب من كل جانب، ولا يرد بأس الله عن القوم المجرمين.
فأنت ترى أن من أغراض القصة في القرآن العبرة والعظة بمن تقدم من الأمم فضلا عن أنها دليل النبوة وبرهانها لما فيها من الأخبار بما لا يعرف الرسل ولا طريق لمعرفتهم إلا بالوحي.
ولقد كان في قصص الأنبياء جميعا خصوصا يوسف وإخوته عبرة وعظة وذكرى.
وهدى لأولى الألباب والعقول الصافية.
ما كان هذا الحديث، أى القرآن الشامل للقصة وغيرها، ليفترى ويختلق، وكيف يكون هذا؟ وهو المصدق لما بين يديه من الكتب بل هو المهيمن عليها الحارس لها:
وكان فيه تفصيل كل شيء. نعم ما فرطنا في الكتاب من شيء إذ فيه أمهات المسائل وأسس القواعد الشرعية وهو الأصل للسنة والإجماع والقياس فما وافق روح الكتاب أخذناه وما تنافر معه رددناه، وهو هدى ورحمة لقوم يؤمنون بالغيب ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة آية ٢] .