السعادة الدينية والدنيوية، وهو مصدق للكتب السماوية، وحارسها وراعيها والمهيمن عليها، وفيه الخبر الصدق، والتشريع المحكم، والقضاء العدل، والقصص المملوءة عبرة وعظة، والإرشادات إلى الخلق الكامل والمثل العليا، والدعوة الصريحة لتنظيف القلوب من أدران الدنيا وأكدار النفس، والدعوة إلى خلق المسلم الصحيح والإنسان الكامل السعيد في الدنيا والآخرة، ومع هذا فأكثر الناس لا يعقلون.
وإذا نظرنا إلى هذا النور الذي نبه العالم في القرن الحديث، وأيقظه من غفوته لم نجد له مصدرا إلا القرآن والرسالة المحمدية، حقيقة لم تبلغ الحضارة الحديثة الدرجة العليا والغرض السامي لأنها لم تنهل من تعاليم القرآن، ولم تجر على نظامه المحكم، فكانت المذاهب والنظريات في السياسة والاقتصاد والاجتماع فيها الإفراط أو التفريط، ولو شاء ربك لهدى الناس جميعا إلى نوره، ولكن حكمته اقتضت ذلك، إذا لا غرابة أن يبدأ تعداد نعمه بذكر تعاليم القرآن أولا، ألست معى في أن أول نعمة هي القرآن؟! وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ.
[النحل ٨٩- الإسراء ٨٢- الكهف ١ و ٢] الرحمن علم القرآن. خلق الإنسان، أى: أنشأه على ما هو عليه من القوى الظاهرة والباطنة، والغرائز الموجهة، ولقد كان خلق الإنسان بهذا الشكل الدقيق، وما أودع فيه من غرائز وميول، واتجاهات وأفكار، وقوى عاقلة مدركة، وهذا فضلا عن تركيبه المادي الدقيق، كان خلقه على هذا الوضع من أجل النعم وأرقاها عَلَّمَهُ الْبَيانَ نعم قد علمنا الله البيان، وأودع فينا قوة الإفصاح عما في الضمير، ولذا نرى أن علماء التفسير وضحوا لفظ البيان في الآية بأنه الحلال والحرام، أو سبيل الهدى والضلال أو هو علم الدنيا والآخرة، أو أسماء الأشياء كلها، وبعضهم ذهب إلى أن المراد بالإنسان هو النبي صلّى الله عليه وسلّم والبيان خصوص بيان القرآن، وفي الواقع: البيان اسم جامع لكل هذا، وهو أغلى ما يمتاز به الإنسان على سائر الحيوان.
الشمس والقمر، وكذلك سائر الكواكب والأفلاك يجريان بحساب دقيق، ونظام رتيب، فلا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون، والشمس والقمر آيتان من آيات الله الكبرى، وهما من نعم الله علينا