للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللامعة ووجهه المشرق وحياته الحافلة، أقسم بهذا كله على أن جهنم المعدة للمكذبين الذين يتخذون القرآن عضين هي إحدى الكبر من جهة أنها نذير «١» للبشر لمن «٢» شاء منكم أيها البشر أن يتقدم للخير ولمن شاء أن يتأخر بفعل الشر، نعم هي نذير لهؤلاء الذين يخافون يوما عبوسا قمطريرا.

هذا إنذار للعاملين والعصاة المذنبين، مع العلم أن كل نفس بما كسبت مرهونة، أى: أن النفس مرهونة بعملها فإن كان خيرا فك رهنها وحبسها، وإن كان شرّا فستظل حتى تستوفى عقابها، وعلى ذلك فالعصاة نفوسهم مرهونة بعملهم الشر، والمؤمنون أصحاب اليمين ليست نفوسهم مرهونة لأنهم أدوا ما عليهم. كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فإنهم في جنات مكرمون، على سرر متقابلون يتجاذبون أطراف الحديث ويتساءلون، أى: يسأل بعضهم بعضا عن المجرمين المكذبين ما حالهم؟ ولعلهم يعرفون الجواب، ولكن هذا يساق زيادة في تبكيت المجرمين وإيلامهم، وإمعانا في سرور المؤمنين، أصحاب اليمين يتساءلون عن المجرمين فيطلعون عليهم، وهم في جهنم فيقولون لهم: ما سلككم في سقر؟ ما الذي أدخلكم في جهنم؟ قالوا لهم: الذي سلكنا أننا لم نك من المصلين، ولم نك ندعو الله رب العالمين بل كنا ندعو غيره ونشرك به سواه، وأنا لم نك نطعم المسكين المحتاج بل كنا ننفق للدنيا وللرياء، وكنا نكذب مع المكذبين ونخوض مع الخائضين في هراء الكلام وفاسده، وكنا نكذب بيوم القيامة ولا نصدق به، وظللنا على هذا الحال حتى أتانا اليقين الذي لا شك فيه كالموت، وهذا العذاب الذي نقاسيه اليوم.

إذا كان الأمر كذلك فما تنفع هؤلاء شفاعة الشافعين، ومن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه؟ وهذا رد عليهم في دعواهم أن الآلهة تشفع عند الله لهم.

عجبا لهؤلاء بعد هذا البيان الساطع فما لهم عن القرآن معرضين؟ أى شيء حصل لهؤلاء حتى يعرضوا عن كلام رب العاملين مالك يوم الدين.


(١) على هذا فهي مصدر وقع تمييزا، ويصح أن تكون صفة مشبهة وتعرب حالا.
(٢) وعلى هذا فقوله: لمن شاء بدل من بشر، ورأى آخر أنه خبر مقدم، والمبتدأ المصدر المأخوذ من (أن يتقدم أو يتأخر) أى: التقدم والتأخر لمن شاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>