للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجبال التي كانت ثوابت ورواسى تقلع من أصلها، وتفرق أجزاؤها، وتذرى في الرياح كأنها نسفت بالمناسيف وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً [سورة النبأ آية ٢٠] وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا [سورة الواقعة آية ٥] .

وهذا وصف للعالم يوم القيامة أو قبله بقليل، وليس هناك أحد يعفى من السؤال حتى الرسل والأنبياء فإنه يوقت لهم وقت لا يتعدونه ليشهدوا على أنفسهم بالبلاغ، ويشهدوا على أممهم، مبرئين أنفسهم من تبعة التقصير في التبليغ، وهذا معنى وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ أى: أجلت ليوم خاص، وكأن سائلا سأل عن ذلك اليوم الموعود؟

فأجيب: ليوم الفصل الذي ليس بالهزل، وما أدراك؟ أى: ما أعلمك به أيها الإنسان؟ ما يوم الفصل! أى: ما كنهه وحقيقته؟ وإنه لعجيب منك أن تلهو عنه ولا تعمل له.

فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت «١» ، فعندئذ تعلمون صدق الوحى في إثبات البعث، وتعلمون حينئذ مقدار ضلالكم وأن الويل والهلاك والثبور لكم.

بعض مظاهر القدرة التي تلقى في قلوب الكفار والمكذبين الروع بعد الكلام على يوم القيامة وأهواله: ألم نهلك الأولين من قوم عاد وثمود وغيرهم ممن كذبوا بالرسل ولم يؤمنوا بالله وباليوم الآخر وأنتم تعلمون ذلك! ثم بعد ذلك أتبعناهم قوما آخرين، كانوا بعدهم في الزمن، وكذبوا مثلهم، والمراد أقروا «٢» بذلك فاعتبروا به، وتنبهوا له، واحذروا أن تكونوا مثلهم، فإن مثل ذلك الفعل الذي فعلناه مع غيركم نفعله بالمجرمين الذين يكذبون بيوم الدين، ويل يومئذ للمكذبين وهلاك لهم وأى هلاك؟! وهذه الجملة كررت هنا عشر مرات لأن السورة تضمنت ذكر نعم ونقم، فكان إذا ذكرهم الله بنعمة أو خوفهم من نقمة أكد التذكير أو التخويف بذكر الهلاك والثبور المعد للمكذبين يوم القيامة ردعا لهم عن الغفلة وحثا لهم على التصديق وعمل الخير.

ألم نخلقكم من ماء ضعيف حقير؟ فعلى أى شيء تتكبرون عن الإيمان بالله واليوم الآخر؟ ألم يخلق الله الإنسان من منى يمنى؟ ثم كان علقة فمضغة ... إلخ، كل ذلك،


(١) وهذا إشارة إلى جواب إذا.
(٢) وهذا إشارة إلى أن الهمزة للتقرير، وكذا الاستفهام فيما سيأتى.

<<  <  ج: ص:  >  >>