كلا! وهي كلمة ردع عن التساؤل والاختلاف في البعث مع وضوح الأدلة عليه.
كلا سيعلمون، أى: ليرتدعوا عما هم فيه فإنهم سيعلمون عما قريب حقيقة الحال إذا حل بهم العذاب والنكال. ثم كلا سيعلمون!! وها هي ذي بعض مظاهر القدرة وآيات الرحمة الدالة على قدرة الله على البعث وأنه صاحب النعم: ألم «١» نجعل الأرض فراشا ممهدا ليعيش عليها الإنسان عيشة سعيدة؟
والمعنى: قروا واعترفوا بأن الله قد جعل الأرض مستقرا ومهادا لكم، وجعل الجبال في الأرض كالأوتاد لإرسائها كما يرسى البيت من الشعر بالعمد والأوتاد. وقد خلقناكم ذكرا وأنثى ليتسنى التناسل والتوالد. وينتظم أمر الحياة فيها. وقد جعلنا- أى: الذات الأقدس- نومكم كالموت يقطع طول العناء وكثرة التعب: فالنوم أحد الموتتين، على أنه نعمة من نعم الله الكبرى، فإن نوم ساعات يريح القوى، ويجدد النشاط، ويعيد القوة والحيوية للإنسان، وقد جعلنا الليل كاللباس لأنه يستر الأشخاص بظلمته.
يا سبحان الله في الظلمة خير!! وفي النور خير، إذ للناس في ظلام الليل مصالح وفوائد فكما أن اللباس يقي من الحر والبرد، ويستر العورات، كذلك يستتر فيه الفار من العدو، أو الحيوان المفترس، ويستعد فيه الكامن للوثوب: وربما كان فرصة لقضاء بعض حوائج الناس، وقد جعلنا النهار حياة، ووقتا لتحصيل المعاش فيه يستيقظ الناس لمعاشهم، وفيه يتقلبون لقضاء حوائجهم ومكاسبهم ففي النهار الحياة، وفي الليل النوم والسكون، وقد خلقنا فوقكم سبعا شدادا، أى: سبع سموات قوية محكمة لا يختل نظامها، ولا يضعف بناؤها، وقد جعلنا الشمس فيها سراجا وهاجا، سراجا قويا، متلألئا وقادا، وقد أنزلنا من السحب ماء منصبا كثيرا، ليخرج بسببه الحب من حنطة وأرز وغيرهما، والنبات من عشب وحشائش وغيرهما، ولتخرج بسببه الجنات الملتفة الأغصان، والحدائق الملتفة الأشجار لتقارب أغصانها وطول أفنانها، إن يوم الفصل كان ميقاتا.
أليس الذي خلق هذا بقادر على أن يحيى الموتى يوم الفصل؟! أمن من على الناس بتلك النعم يعجز عن يوم يكون فيه الفصل والقول الحق، والميزان العدل بين الخلائق