فيفصل المحسن عن المسيء ويجازى كلا على عمله؟! إن يوم الفصل كان ميقاتا معلوما ينتهى إليه الناس فيجتمعون فيه ليرى كل عاقبة عمله، ونهاية أمره وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ فيوم الفصل مؤقت بأجل محدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه ولا يعلمه إلا الله.
كيف حال ذلك اليوم؟! وما حال المكذبين به؟! إنه هو يوم الفصل، ليس بالهزل. إنه يوم الفزع الأكبر، يوم ينفخ في الصور، النفخة الثانية التي يأتى بسببها الناس أفواجا، تأتى كل أمة بإمامها، وتأتى كل جماعة منفردة من غيرها، قد فتحت السماء فكانت أبوابا إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ فالقرآن يفسر بعضه بعضا، والمراد: انشقت السماء انشقاقا يشبه فتح الباب في السهولة والسرعة وقد سيرت الجبال في الجو على صورتها بعد تفتتها وبعد قلعها من مقارها، فتصبح كأنها سراب، فهي سراب غليظ يرى من بعيد كأنه جبل وما هو بالجبل.
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً نعم كانت جهنم في ذلك اليوم مكانا وموضعا لرصد الكفار للعذاب لأنهم الطغاة المتجاوزون الحدود، كانت لهم مآبا ومرجعا يؤوبون إليه، حالة كونهم لابثين فيها أحقابا، أى: ماكثين فيها أزمانا غير محدودة، أزمانا متعاقبة متلاحقة لا يعلمها إلا الله، حالة كون الماكثين فيها لا يذوقون شيئا إلا ماء حميما. وصديدا يقطر من جلود أهل النار!! جزاهم ربك على أفعالهم جزاء وفاقا!! وما السبب؟ إنهم كانوا لا يرجون حسابا على أعمالهم، وكذبوا بآياتنا الناطقة على إمكان البعث وكمال القدرة تكذيبا مفرطا، وكل شيء من الأشياء التي من جملتها أعمالهم حفظناه وضبطناه في كتاب وأحصيناه إحصاء، إذا كان الأمر كذلك فيقال لهم: ذوقوا هذا العذاب، فلن نزيدكم بعده إلا عذابا مثله أو أشد.
وهذا بيان لحال المؤمنين يوم القيامة بعد بيان حال الكافرين والمكذبين: إن للمتقين فوزا عظيما بما عملوا في الدنيا، وإن لهم في الجنة موضع فوز ومكان نجاة، بعضه حدائق غناء، ذات بهجة ورواء، وأن لهم فيها فواكه وأعنابا، وكواعب أترابا، أى:
نساء حسانا في سن واحدة فهن لدات، والتمتع بهذا الصنف من النساء أمل الناس في الدنيا فكان لهم في الآخرة على وجه ونظام لا يعلمه إلا الله، وليس لنا أن ندقق النظر في أمثال هذا، بل نؤمن به إيمانا كما نطق القرآن، وإن لهم فيها كأسا مملوءة بالمشتهى من