وربا الفضل- كما تقدم عند شرح آية البقرة- ثابت تحريمه بالحديث الشريف فقد
روى ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا سواء بسواء ... إنى أخشى عليكم الرماء، أى: الربا» «١»
. وكذا حديث أبى سعيد الخدري المتقدم.
والجمهور من العلماء على أن الربا بنوعيه خطر على الأمة والفرد كما بينا ذلك في آية البقرة لا فرق بين ربا النسيئة وربا الفضل سواء كانت الزيادة قليلة أم كثيرة، والتقيد بالأضعاف المضاعفة في الآية هنا لبيان الواقع الذي كان يحصل عندهم في الجاهلية فلا مفهوم له، وقد تكون هذه الآية هي المرحلة الوسطى بين الإشارة التي في سورة الروم آية ٢٩ وبين التحريم الكلى القاطع في سورة البقرة كما تقدم.
وبعض العلماء يرى أن ربا النسيئة ثابت بنص القرآن وخطره ظاهر جسيم إذ هو الربح المركب الذي يتضاعف فيه مال المرابى إلى أضعاف كثيرة وهو الذي لعن الله آكله ومؤكله وكاتبه وشاهده وآذن صاحبه بالحرب إن لم يكف وهو صفة اليهود وديدنهم.
وأما ربا الفضل فثابت بالحديث، وخطره قليل وتحريمه ليس لذاته بل أمر عارض، فإنه قد يجر إلى ربا النسيئة فتحريمه من باب سد الذرائع فهو يباح عند الضرورة والحاجة.
وأنت كمسلم تقدر ضرورتك.
والرأى عندي أن الواجب على الحكومة أو الأغنياء أن ينشئوا مصرفا للتسليف بلا فائدة كمؤسسة القرض الحسن ومصاريف الموظفين والعمال واستهلاك المبانى والمصارف إن لم تكن على حساب الحكومة فلا مانع من أن تؤخذ من المدين.
واتقوا الله في كل ما تأتون وتذرون خاصة الربا، ولا تكن قلوبكم كقلوب اليهود.
فإنكم إن اتقيتم الله حق تقواه كنتم كمن يرجو الفلاح في الدنيا والآخرة.
واتقوا النار التي أعدت للذين يبتعدون عن الله ولا يمتثلون أمره، لا سيما هذا الداء الوبيل فإنه من أكبر الكبائر حتى كأن صاحبه في عداد الكافرين.
وانظر يا أخى كيف نفّر القرآن من الربا وأكد ذلك بأربعة تأكيدات: اتقوا الله، اتقوا النار، أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وفي هذا كله فلاح وبعد عن النار ورحمة وأى رحمة؟
(١) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب البيوع رقم ٣٤ ج ٢ ص ٦٣٤.