وتأصل الداء، وتأخير ذكر الكفار دليل على أن النفاق أخطر من الكفر الصريح، ثم لم يكتف بهذا بل زاد في عقابهم والتنكيل بهم ثلاثا. هي حسبهم، نعم وفي جهنم جزاء يكفيهم عقابا لهم، ولعنهم في الدنيا والآخرة، وطردهم من رحمته وتوفيقه في الدنيا، وفي الآخرة لهم العذاب الشديد، عذاب مقيم ثابت لا يتحول ولا يزول، ويظهر- والله أعلم- أن القرآن يريد أن يوفيهم العذاب الحسى والمعنوي الذي يتكافأ مع نفاقهم وعملهم.
ثم خاطب الله- سبحانه- المنافقين المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك بقوله: أنتم أيها المنافقون الذين آذيتم الله ورسوله والمؤمنين كأولئك المنافقين السابقين مع أنبيائهم- وهكذا لا يخلو عصر من النفاق إذ هو مرض يصيب بعض النفوس- أنتم مثلهم مغرورون بمالكم مفتونون بأولادكم، ولكنهم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا، ولم يكن لهم في دنياهم إلا مطلب واحد هو المتاع الفاني، والعرض الزائل، والتمتع بالمال والولد، فكان نصيبهم نصيب الحيوان يتمتع ويأكل ويتناسل، فاستمتعتم بنصيبكم من المال والولد والعرض الزائل كاستمتاعهم بنصيبهم، لم تفضلوا عليهم بشيء من التمتع بكلام الله المحكم الذي نزل على خير الأنبياء وسيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم فكنتم أجدر منهم بالملامة، وأحق بالعذاب والنكال.
فأنتم فعلتم الخبائث كما فعلوا مع توافر دواعي الشر عندهم. وتوافر دواعي الخير عندكم!!! وخضتم في حمأة الرذيلة والفسق كالخوض الذي خاضوه، وأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا وفسدت لأنها أعمال للرياء والسمعة وقد ظهر نفاقهم فيها، وفي الآخرة لهم العذاب الأليم لأن شرط الثواب عليها الإيمان، وهم لم يؤمنوا حقيقة بل نافقوا.
وأولئك هم الخاسرون، الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وقد ضل سعيهم في الدنيا والآخرة.
ألم يأتهم نبأ السابقين من قوم نوح وعاد وثمود، وقوم إبراهيم وأصحاب مدين وقوم لوط؟ والاستفهام للتقرير والتوبيخ.
هؤلاء أتتهم رسلهم بالبينات فأعرضوا وكذبوا، فجاءهم العذاب كالطوفان الذي