للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الفُروسيّة، وخرج منهم أبطال وشجعان لا يَفِرّون ولا يولُّون ولو خاض بهم البحر، فهزم ابنَ هود ثلاث مرات، وأخذ خزائنه وخيله وطبوله، ومزَّق عسكره، وكسر الفِرَنجَ مرات، وجرت له أمور طويلة.

وقد استأصل عسكرَ الزعيم المخفي نجومه، ونازل حصن قَنبيل، وبشدة بأسه كان يُضرَب المثل، حتى كَفَأه الله على يده، واستأصل العسكر الذين جاؤوا إلينا الحصنَ بقرب غرناطة.

ومن سَعْده أنه لم يُكسَر قط، ولا هُزمت له راية، وكانت بلاد الأندلس إذ ذاك في غاية الضعف، قد قُبح الفرنج على أفواههم وأقبل سعدهم، فبعث الله هذا الرجلَ فواقعهم، وكسر من شدتهم، إلى أن جاء أذفونش بجنوده، فحاصر جيّان، فلم يمكن دفعه، فاتفق لأبي عبد الله أن يُطلِقها له مصالحةً بها عن جميع البلاد، فعقد الصلح على ذلك عام اثنتين وأربعين وست مئة، ودام عشرين سنة، فقوي المسلمون بذلك، وعَمِرت البلاد، وتوسَّع الناس، واشتغل السلطان في هذه المدة بجباية الأموال وحفظها بنفسه، لا يكلّ ولا يفتر، حتى جمع من الأموال ستة وثلاثين بيتًا بغرناطة، وادَّخر الأقوات العظيمة، وقتل من الدواوين بالسِّياط خلقًا كثيرًا، واقتنى من الأسلحة ما لا يقتنيه أحد أصلًا، وأحكم الأسوار، واستكثر من الجنود، وأحسن إليهم، واعتنى بأمرهم جدًّا، ومن يوم تملّك لم يشرب خمرًا، ولا سمع لهوًا، ولا تصيَّد، فانظر إلى علوِّ همّة هذا الرجل، وصحة دينه ومروءته، واستكثاره من المكارم، ولم يتوسَّع في بنيانٍ لنفسه، ولا في سَرَف إنفاق، ولا في كثرة حَشَم، كان مقتصدًا عاقلًا في أموره كلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>