وفي سنة ثلاث وسبعين وست مئة كان القحطُ بالعراق، فعمل دارًا للضعفاء، وبِرًّا للمستورين.
وهمَّ بإنشاء قناطر على دجلة، وأمر بعمل بركة في وسط المستنصرية يُصعَد إليها بمَدار، بعد أن كان يُحمَل الماء. وكان له مجلس يجتمع فيه العلماء ويتناظرون، ويبحث معهم ويكرمهم.
قال شرف الدين أحمد بن الكازَروني: أخبرنا علي بن عيسى الكاتب قال: كاتَبَني الصاحب عطا ملك. . . . (١) وذلك في يوم بارد، وهو جالس على الرمل وعليه قميص، وهو صابر وحامد لله:
لا تعجبين لما جَرَى … فالخيرُ فيه لَعَلّهُ
قد كنت عبدًا آبقًا … يعصي الإلهَ فغَلَّهُ
قال ابن عيسى: وعمل الصاحب أيضًا:
لئن نَظَر الزمانُ إليك شَزْرا … فلا تكُ ضيِّقًا من ذاك صَدْرا
وكن بالله ذائقةٍ فإني … أَرى لله في ذا الأمرِ سِرّا
زماني إذ رماني لا أُبالي … فقد جاريته عُسرًا ويُسرا
وقد صاحبته ستين عامًا … مَضَينَ وذُقُته حُلوًا ومُرّا
سلكتُ فِجاجَه سهلًا وحَزْنًا … وخضتُ بحاره مدًّا وجَزْرا
رأيتُ الدهرَ لا يبقى بحالٍ … يُرِيك الوجهَ ثم يُريكَ ظَهْرا
إذا دُكَّتْ جبالُ الصبر دكًّا … ترى مني فؤادًا مستقرّا
ففي البأساءِ لم أخضَعْ لبُؤسٍ … وفي السَّرّاء لستُ أَطِيش كِبْرا
(١) هنا كلمتان غير مقروءتين كما ذكر المعلق على طبعة الفكر.